كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 51 """"""
لو كانت أمة مكانك لأجزأت ، إنما عملت في دولتنا وبريحنا ، ولو كان ذلك إليك ما قطعت فتيلاً ، فأخذ أبو مسلم يد المنصور يقبلها ويعتذر إليه ، فقال : والله ما رأيت كاليوم ، والله ما زدتني إلا غضباً ، فقال أبو مسلم : دع هذا ، فوالله قد أصبحت ما أخاف إلا الله ، فشتمه المنصور وصفق بيده على الأخرى ، فخرج إليه الحرس فضربه عثمان بن نهيك فقطع حبائل سيفه ، فقال : استبقني لعدوك يا أمير المؤمنين ، فقال : لا أبقاني الله إذن ، وأي عدو أعدى لي منك ؟ وأخذته سيوف الحرس حتى قتلوه ، وهو ينادي العفو العفو ، فقال المنصور يا ابن اللخناء والسيوف قد اعتورتك وأنشد المنصور :
اشرب بكأس كنت تسقي بها . . . أمر في فيك من العلقم
زعمت أن الدين لا يقتضى . . . كذبت والله أبا مجرم
قال : وكان أبو مسلم قد قتل ستمائة ألف صبراً ، قال : ولما قتل قال لأصحابه اجتمعوا ، فاجتمعوا فنثرت عليهم بدرة ، فلما أكبوا ليلتقطوها طرح عليهم رأس أبي مسلم ، فلما رأوه تخاذلوا وتفرقوا ، قال : ثم خطب المنصور بعد مقتل أبي مسلم فقال : أيها الناس لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية ، ولا تمشوا في ظلمة الباطل بعد سعيكم في ضياء الحق ، إن أبا مسلم أحسن مبتدأً وأساء معقباً ، وأخذ من الناس أكثر مما أعطانا ، ورجح قبيح باطنه على حسن ظاهره ، وعلمنا من خبث سريرته وفساد نيته ما لو علمه اللائم لنا فيه لعذرنا في قتله ، وعنفنا في إمهاله ، وما زال ينقض بيعته ويخفر ذمته حتى أحل لنا عقوبته ، وأباحنا دمه فحكمنا فيه حكمه لنا في غيره ، ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه ، وما أحسن ما قال النابغة الذبياني :
فمن أطاعك فانفعه بطاعته . . . كما أطاعك وادلله على الرشد
ومن عصاك فعاقبه معاقبة . . . تنهى الظلوم ولا تقعد على الصمد
ثم نزل .

الصفحة 51