كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 56 """"""
ودخلت سنة إحدى وأربعين ومائة .
ذكر خروج الراوندية على المنصور وقتلهم
والراوندية قوم من أهل خراسان يقولون بتناسخ الأرواح ، ويزعمون أن روح آدم حلت في عثمان بن نهيك ، وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو المنصور ، وأن جبريل هو الهيثم بن معاوية ، فلما ظهروا وأتوا قصر المنصور فقالوا : هذا قصر المنصور ، فقالوا هذا قصر ربنا ، فأخذ المنصور رؤساءهم فحبس منهم ثمانين رجلاً ، فغضب أصحابهم ، وأخذوا نعشاً فحملوه وليس فيه أحد ، فمروا على باب السجن ورموا النعش ، وحملوا على الناس ودخلوا السجن وأخرجوا أصحابهم ، وقصدوا المنصور وهم ستمائة رجل ، فغلقت أبواب المدينة ، وخرج المنصور من القصر ماشياً ، ولم يكن في القصر دابة ، ثم أتى بدابة فركبها ، وأمر بعد ذلك اليوم أن تربط دابة معه في القصر ، وخرج المنصور لهم فتكاثروا عليه حتى كادوا يقتلونه ، وجاء معن بن زائدة الشيباني - وكان مستخفياً من المنصور لقتاله مع ابن هبيرة ، وكان المنصور شديد الطلب له ، وقد بذل فيه مالاً كثيراً ، فتلثم وترجل وقاتل قتالاً شديداً ، وكان المنصور على بغلة ولجامها بيد الربيع حاجبه ، فأتاه معن بن زائدة وقال : يا شيخ أنا أحق بهذا اللجام منك في هذا الوقت وأعظم غناء ، فقال المنصور : صدق ، فدفعه إليه ، فلم يزل يقاتل حتى حصل الظفر بالراوندية ، فقال له المنصور : من أنت ؟ قال : طلبتك يا أمير المؤمنين معن بن زائدة ، فقال : قد آمنك الله على نفسك ومالك وأهلك ، مثلك يصطنع ، وجاء أبو نصر مالك بن الهيثم فوقف على باب المنصور ، وقال : أنا البواب كما ذكرنا ذلك ، ونودي في أهل السوق فقاتلوهم ، وفتح باب المدينة فدخل الناس ، فحمل عليهم خازم بن خزيمة حتى ألجأهم إلى حائط ، ثم حملوا عليه فكشفوه مرتين ، فقال الهيثم بن شعبة : إذا كروا علينا فاسبقهم إلى الحائط ، فإذا رجعوا فقاتلهم ، ففعل ذلك فقتلوا جميعاً ، وكان ذلك بالمدينة الهاشمية ، وأصيب يومئذ عثمان بن نهيك بسهم ، فمرض أيام ومات فصلى عليه المنصور ، وجعل على الحرس أبا العباس الطوسي ثم ولى المنصور معن بن زائدة اليمن .
ذكر خلع عبد الجبار بخراسان ومسير المهدي إليه
وفي هذه السنة خلع عبد الجبار بن عبد الرحمن - عامل خراسان - المنصور ، وكان سبب ذلك أنه لما استعمله المنصور على خراسان عمد إلى القواد ، فقتل بعضهم