كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
محمد بن خالد القسري من الحبس ، واستعمل العمال على المدينة ومكة والطائف واليمن ، وكان خروجه لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة منها ، وكان بينه وبين المنصور مكاتبات سنذكرها في أخبار محمد بن عبد الله ، ولم تغن شيئاً ، فندب المنصور لقتاله عيسى بن موسى بن محمد بن عبد الله بن العباس ، فالتقوا فقتل محمد في يوم الاثنين بعد العصر لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان منها ، وقتل معه جماعة سنذكر ذلك مستوفى في أخباره إن شاء الله .
وفيها ظهر إبراهيم بن عبد الله بن الحسن - وهو أخو محمد - بالبصرة ، وبايع الناس ، وكان ظهوره في أول شهر رمضان ، وقتل يوم الاثنين لخمس بقين من ذى القعدة منها . وسنذكر ذلك مستوفى في موضعه إن شاء الله تعالى .
ذكر وثوب السودان بالمدينة
وفي هذه السنة : ثار السودان بالمدينة على عاملها عبد الله بن الربيع الحارثي فهرب منهم ، وسبب ذلك أن المنصور لما استعمله قدم المدينة لخمس بقين من شوال ، فنازع جنده التجار في بعض ما يشترونه منهم ، فشكوا ذلك إليه فانتهر التجار وشتمهم ، فتزايد طمع الجند فعدوا على صيرفي فنازعوه كيسه ، فاستعان بالناس فخلصوه منه ، وشكا أهل المدينة إلى ابن الربيع فلم ينكره ، ثم جاء رجل من الجند إلى جزار ، فاشترى منه لحماً في يوم جمعة فلم يعطه الثمن ، وشهر عليه السيف فضربه الجزار بشفرة في خاصرته فقتله ، واجتمع الجزارون وتنادى السودان فقاتلوهم ، ونفخوا في بوق لهم فسمع السودان من العالية والسافلة فاجتمعوا ، وكان رؤساؤهم ثلاثة ، وهم : وثيق ويعقل وزمعة ، فقتلوا في الجند حتى أمسوا ، وقصدوا ابن الربيع فهرب منهم ، وأتى بطن نخل على ليلتين من المدينة فنزل به ، وانتهب السودان طعاماً للمنصور وزيتاً وغيره ، فباعوا الحمل الدقيق بدرهمين ، والرواية الزيت بأربعة دراهم ، ولم يصل الناس في ذلك اليوم جمعة ، فذهب محمد بن عمران ومحمد بن عبد العزيز وغيرهما إلى العبيد فكلموهم ، فقالوا : مرحباً بموالينا ، والله ما قمنا إلا أنفة بما عمل بكم ، فأمرنا إليكم ، فأقبلوا بهم إلى المسجد فخطبهم ابن أبي سبرة ، وحثهم على الطاعة فتراجعوا ، ثم قال لهم - من الغد إنكم كان منكم ما كان بالأمس - نهبتم طعام أمير المؤمنين . فلا يبقين عند أحد منه شيء إلا رده فردوه ، ورجع ابن الربيع إلى المدينة فقطع يد وثيق ويعقل وغيرهما .