كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
جواباً ، فوثبت لأنصرف لما أراه منه ، فقال بعد ساعة : إني رأيت في المنام كأن رجلاً ينشدني :
أأخي أخفض من مناكا . . . فكأن يومك قد أتاكا
ولقد أراك الدهر من . . . تصريفه ما قد أراكا
فإذا أردت الناقص ال . . . عبد الذليل فأنت ذاكا
ملكت ما ملكته . . . والأمر فيه إلى سواكا
فهذا ما ترى من قلقي وغمي ، فقلت : خيراً رأيت يا أمير المؤمنين ، ولم يلبث أن خرج إلى مكة ، ومن ذلك أنه لما نزل آخر منزل نزله من طريق مكة نظر في صدر البيت الذي نزل فيه فإذا فيه مكتوب :
أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت . . . سنوك وأمر الله لا بد واقع
أبا جعفر هل كاهن أو منجم . . . لك اليوم من حر المنية مانع
فدعا المتولي لإصلاح المواضع فقال : ألم آمرك ألا يدخل أحد من الدعاة هذا البيت ؟ فحلف أنه لم يدخله أحد ، فقال : اقرأ ما في صدر هذا البيت ، قال : ما أرى شيئاً ، فالتفت إلى حاجبه وقال : اقرأ آية من كتاب الله تعالى تشوقني إلى لقائه ، فقرأ " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " ، فقال له : ما وجدت آية غير هذه الآية ، قال : والله لقد محى القرآن من قلبي غيرها .
ذكر وصية المنصور لابنه المهدي
قال : ولما سار المنصور من بغداد ليحج نزل قصرعبدويه ، وأحضر المهدي وكان قد صحبه فوصاه بالمال والسلطان ، يفعل ذلك كل يوم من أيام مقامه بكرة وعشية ، فلما كان في اليوم الذي ارتحل فيه قال له : إني لم أدع شيئاً إلا وقد تقدمت إليك فيه ، وسأوصيك بخصال وما أظنك تفعل منها واحدة - وكان له سفط فيه دفاتر علمه وعليه قفل لا يفتحه غيره ، فقال للمهدي : انظر إلى هذا السفط فاحتفظ به ، فإن فيه علم آبائك - ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة - فإن أهمك أمر فانظر إلى الدفتر الكبير ، فإن أصبت فيه ما تريد وإلا في الثاني والثالث حتى بلغ سبعة ، فإن ثقل عليك فالكراسة الصغيرة ، فإنك واجد فيها