كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 73 """"""
وعف عن الفيء فليس بك حاجة إليه مع ما أخلفه لك ، وافتتح بصلة الرحم وبر القرابة ، وإياك والتبذير لأموال الرعية ، واشحن الثغور واضبط الأطراف وأمن السبل ، وسكن العامة وأدخل المرافق عليهم ، وادفع المكاره عنهم ، وأعد الأموال واخزنها ، وإياك والتبذير فإن النوائب غير مأمونة - وهي من شيم الزمان ، وأعد الكراع والرجال والجند ما استطعت ، وإياك وتاخير عمل اليوم إلى غد فتتدارك عليك الأمور وتضيع ، خذ في إحكام الأمور النازلات لأوقاتها أولاً أولاً وشمر فيها ، واعدد رجالاً بالليل لمعرفة ما يكون بالنهار ، ورجالاً بالنهار لمعرفة ما يكون في الليل ، وباشر الأمور بنفسك ولا تضجر ولا تكسل ، واستعمل حسن الظن وأسيء بعمالك وكتابك ، وخذ نفسك بالتيقظ ، وتفقد من أقمته على بابك ، وستهل إذنك للناس وانظر في أمر النزاع إليك ، ووكل بهم عيناً غير نائمة ونفساً غير لاهية ، ولا تنم فإن أباك لم ينم مذ ولي الخلافة ، ولا دخل عليه الغمض إلا وقلبه مستيقظ هذه وصيتي إليك ، والله خليفتي عليك ، ثم ودعه وبكيا .
ثم سار المنصور إلى الكوفة وجمع بين الحج والعمرة ، وساق الهدي وأشعره وقلده لأيام خلت من ذى القعدة ، فلما سار منازل من الكوفة عرض له وجعه الذي مات به - وهو القيام ، ولما اشتد به جعل يقول للربيع : بادر بي حرم ربي هارباً من ذنوبي ، وكان الربيع عديله ، ووصاه بما أراد ، ولما وصل بئر ميمون مات بها في التاريخ الذي قدمناه ، ولم يحضر عند موته أحد إلا خدمه والربيع مولاه ، فكتم الربيع موته ومنع من البكاء عليه ، ثم أصبح فحضر أهل بيته على عادتهم ، فأذن الربيع لعمه عيسى فمكث ساعة ، ثم أذن لابنه موسى ، ثم أذن للأكابر وذوي الأسنان منهم ثم لعامتهم ، فبايعهم الربيع للمهدي ولعيسى بن موسى من بعده ، ثم بايع القواد وعامة الناس ، وسار العباس بن محمد ، ومحمد بن سليمان إلى مكة ليبايعا الناس ، فبايعوا بين الركن والمقام . وجهزوا المنصور ففرغوا منه العصر ، وكفن وغطى وجهه وبدنه وجعل رأسه مكشوفاً لأجل إحرامه ، وصلى عليه عيسى بن موسى ، وقيل إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس ، ودفن في مقبرة المعلاة ، وحفر له مائة قبر

الصفحة 73