كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
ذكر خلع عيسى بن موسى وبيعة موسى الهادي
قال : كان جماعة من بني هاشم وشيعة المهدي خاضوا في خلع عيسى من ولاية العهد ، والبيعة لموسى الهادي بن المهدي فسر المهدي بذلك ، وكتب إلى عيسى في القدوم عليه وهو بقريته الرحبة من أعمال الكوفة ، فأحس بما يراد منه فامتنع من القدوم عليه ، فألح المهدي عليه حتى بعث إليه يقول : إنك إن لم تجبني إلى أن تنخلع من ولاية العهد لموسى وهارون استحللت منك بمعصيتك ما يستحل من أهل المعاصي ، وإن أجبتني عوضتك منها بما هو أجدى عليك وأعجل نفعاً ، فلم يقدم عليه وخيف انتقاضه ، فوجه إليه المهدي عمه العباس يستدعيه فلم يجب فلما عاد العباس وجه المهدي أبا هريرة محمد بن فروخ القائد ، في ألف من شيعة المهدي فأشخصوه إليه ، فلما قدم عيسى نزل دار محمد بن سليمان ، وأقام أياماً يختلف إلى المهدي ، وهو لا يكلمه بشيء ولا يرى مكروهاً ، فحضر الدار يوماً قبل جلوس المهدي فجلس في مقصورة الربيع ، وقد اجتمع رؤساء شيعة المهدي على خلعه ، فثاروا به وضربوا باب المقصورة بالعمد حتى هشموه ، وشتموا عيسى أقبح شتم ، وأظهر المهدي إنكاراً لما فعلوه فلم يرجعوا ، فبقوا في ذلك أياماً وكان أشدهم عليه محمد بن سليمان ، وكاشفه المهدي وألح عليه ، فذكر أن عليه أيماناً في أهله وماله ، فأفتاه الفقهاء بما رأوا أنه لا يحنث فأجاب إلى خلع نفسه ، فأعطاه المهدي عشرة آلاف ألف درهم وضياعاً بالزاب وكسكر ، وخلع نفسه لأربع بقين من المحرم وبايع للمهدي ولابنه موسى الهادي ، ثم جلس المهدي من الغد وأحضر أهل بيته وأخذ بيعتهم ، ثم خرج المهدي إلى الجامع وعيسى معه فخطب الناس ، وأعلمهم بخلع عيسى وبيعة الهادي ، وبايعهم فسارعوا إلى بيعته ، فقال بعض الشعراء :
كره الموت أبو موسى وقد . . . كان في الموت نجاء وكرم
خلع الملك وأضحى ملبساً . . . ثوب لوم ما ترى منه القدم
وحج المهدي في هذه السنة بالناس ، واستخلف على بغداد ابنه موسى وخاله يزيد بن منصور ، وفيها نزع المهدي كسوة الكعبة وكساها كسوة جديدة ، وكان سبب نزعها أن حجبة الكعبة ذكروا له أنهم يخافون على الكعبة أن تتهدم ، لكثرة ما عليها