كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 86 """"""
ودخلت سنة سبعين ومائة . في هذه السنة عزم الهادي على خلع الرشيد والبيعة لابنه جعفر ، فأجابه إلى ذلك يزيد بن مزيد الشيباني وعبد الله بن مالك وعلي بن عيسى وغيرهم ، فخلعوا هارون وبايعوا لجعفر ، ووضعوا الشيعة فتكلموا في ذلك وتنقصوا الرشيد في مجلس الجماعة ، وقالوا : لا نرضى به ، وكان يحيى بن خالد يتولى أمر الرشيد ، فقيل للهادي : ليس عليك من أخيك خلاف إنما يحيى يفسده ، وكان الرشيد قد اطمأن للخلع فمنعه يحيى منه ، فطلب الهادي يحيى وتهدده بالقتل ورماه بالكفر ، فلم يزل يلطف به حتى سكن غضبه ، ثم قال له : يا أمير المؤمنين - إنك إن حملت الناس على نكث الأيمان هانت عليهم أيمانهم ، وإن تركتهم على بيعة أخيك ثم بايعت لجعفر بعده كان ذلك أوكد للبيعة ، قال : صدقت وسكت عنه ، فعاد الذين كانوا بايعوه من القواد والشيعة فحملوه على معاودة الرشيد بالخلع ، فأحضر يحيى فكتب إليه : إن عندي نصيحة ، فأحضره فقال : يا أمير المؤمنين ، أرأيت إن كان الأمر الذي لا تبلغه - ونسأل الله أن يقدمنا قبله - يعني موت الهادي - أتظن أن الناس يسلمون الخلافة لجعفر ، وهو لم يبلغ الحلم ؟ أو يرضون به لصلاتهم وحجهم وغزوهم ؟ قال : ما أظن ذلك ، قال : يا أمير المؤمنين أفتأمن أن يسمو إليها أكابر أهلك مثل فلان وفلان ، ويطمع فيها غيرهم ؟ فتكون قد أخرجت الأمر عن ولد أبيك ، والله - لو أن هذا الأمر لم يعقده المهدي له كان ينبغي أن تعقده أنت له ، فكيف بأن تحله عنه وقد عقده المهدي ولكني أرى أن تقر الأمر على أخيك ، فإذا بلغ جعفر خلع الرشيد نفسه وبايعه ، فقبل قوله وأطلقه ، ثم عاد أولئك القواد إلى الهادي وأعادوا القول ، فضيق على الرشيد في ذلك ، فقال له يحيى : استأذنه في الصيد ، فإذا خرجت فأبعد ودافع الأيام ، ففعل ذلك فأذن له فمضى إلى قصر مقاتل وأقام أربعين يوماً ، فأنكر الهادي أمره وكتب إليه بالعود ، فتعلل ثم اعتل الهادي ومات .
ذكر وفاة أبي محمد الهادي
كانت وفاته ليلة الجمعة للنصف من شهر ربيع الأول ، وقيل لأربع عشرة ليلة خلت منه ، وقيل بقيت منه سنة سبعين ومائة بعيساباذ ، واختلف في سبب وفاته ،

الصفحة 86