كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 87 """"""
فقيل كانت بقرحة في جوفه ، وقيل مرض بحديثة الموصل وعاد مريضاً فمات ، وقيل إن أمه أمرت جواريها بقتله فقتلنه ، قال : وكان سبب ذلك أنه لما ولي الخلافة كانت تستبد بالأمور دونه ، وتسلك به مسلك المهدي ، حتى مضى من خلافته أربعة أشهر ، والمواكب تغدو إلى بابها ، فكلمته يوماً في أمر لم يجد إلى إجابتها سبيلاً ، فقالت : لا بد منه فقد ضمنته لعبد الله بن مالك بن جعفر ، فغضب الهادي وقال : والله لا قضيتها ، فقالت : إذن والله لا أسألك حاجة أبداً ، قال : لا أبالي والله وغضب ، وقامت مغضبة ، فقال مكانك ، والله لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من قوداي وخاصتي لأضربن عنقه ، ولأقبضن ماله ، ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك ؟ ؟ ؟ أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك إياك إياك ، لا تفتحي بابك لمسلم ولا ذمي ، فانصرفت وهي لا تعقل فلم تنطق عنده بعدها ، ثم قال لأصحابه : أيما خير ، أنا أم أنتم ؟ وأمي أم أمهاتكم ؟ قالوا : بل أنت وأمك خير ، قال : فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه ، فيقولوا فعلت أم فلان وصنعت ؟ قالوا : لا نحب ذلك ، قال : فما بالكم تأتون أمي فتتحدثون بحديثها فلما سمعوا ذلك انقطعوا عنها ، ثم بعث إلى أمه بأرز ، وقال : قد استطبتها فكلي منها ، فقيل لها : أمسكي حتى تنظري ، فجاءوا بكلب وأطعموا منها فتساقط لحمه لوقته ، فأرسل إليها كيف رأيت الأرز ؟ قالت طيباً ، قال : ما أكلت منها ولو أكلت منها لاسترحت منك ، متى أفلح خليفة له أم ؟ وقيل كان سبب أمرها بقتله أنه لما جد في خلع الرشيد خافت عليه ، فوضعت جواريها عليه فقتلنه بالغم والجلوس على وجهه ، حتى مات والله أعلم .
ولما مات كان له من العمر ست وعشرون سنة ، واختلف فيه إلى ثلاث وعشرين سنة . وكانت مدة خلافته سنة وشهراً وأربعة وعشرين يوماً ، وصلى عليه أخوه الرشيد ، ودفن بعيساباذ الكبرى في بستانه ، وفي ليلة وفاته مات خليفة ، وهو الهادي ، وولي خليفة ، وهو الرشيد ، وولد خليفة ، وهو المأمون ، وكان طويلاً جسيماً أبيض مشرباً بحمرة أفوه مقلص الشفة العليا ، وكان المهدي قد وكل به خادماً يقول له : موسى اطبق ، فيضم شفته ، وكان شجاعاً بطلاً جواداً سخياً أديباً صعب المرام . وكان له من الأولاد : عيسى وإسحاق وجعفر وعبد الله وموسى وإسحاق الأصغر . وذكر ابن الأثير في أولاده العباس وإسماعيل وسليمان ولم يذكر إسحاق الأصغر ، وكان ابنه موسى ضريراً ، وأم عيسى كانت عند المأمون ، وأم العباس وكانت تلقب نونه ، وكلهم أولاده أمهات .

الصفحة 87