كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
وراودته فأبى وخاف على نفسه ، فلما أعيتها الحيلة في أمره علمت أن النساء أقرب إلى الخديعة ، فبعثت إلى عتابة - وهي أم جعفر ، وكانت عتابة ترسل إلى ابنها جعفر في كل ليلة جمعة جارية بكراً ، فقالت العباسة لها : أرسليني إلى ابنك كأني جارية من جواريك ، اللواتي ترسلين إليه فأبت أم جعفر ، فقالت لها العباسة : إن لم تفعلي قلت للرشيد كلمتني في كيت وكيت ، وإن فعلت ذلك واشتملت منه على ولد زاد في شرف ابنك ، وما عسى أن يفعل أخي لو علم ، فمالت أم جعفر إلى ذلك ، ووعدت ابنها أنها ترسل إليه جارية من صفتها وحسنها . فطالبها بها مرة بعد أخرى وهي تمطله ، حتى اشتاق إليها فأرسلتها إليه . فأدخلت عليه - وكان لا يثبت صورتها ، لأنه كان إذا جلس عند الرشيد لا يرفع طرفه إليها ، فلما دخلت عليه كان قد شرب نبيذاً ، فاجتمع بها وقضى وطره ، فقالت له : كيف رأيت خديعة بنات الملوك ؟ وأية ابنة ملك أنت قالت : أنا مولاتك العباسة . فتألم لذلك وقال لأمه : بعتني والله رخيصاً ، فاشتملت العباسة من ليلتها على حمل ، فلما ولدته وكلت به غلاماً يقال له رياش وحاضنة اسمها برة ، وبعثت بهم إلى مكة ، وكان يحيى بن خالد ينظر على قصر الرشيد وحرمه وخدمه ، ويغلق باب القصر بالليل وينصرف بالمفاتيح معه ، فضيق على حرم الرشيد ، فشكت زبيدة أم الأمين مرة إلى الرشيد ، فقال له : يا أبت - وكان يدعوه بذلك - ما بال أم جعفر تشكوك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين - أمتهم أنا في حرمك وخدمك ؟ قال : لا ، قال : فلا تقبل قولها ، وزاد يحيى في الحجر والتضييق ، فدخلت زبيدة على الرشيد وقالت : ما يحمل يحيى على ما يفعل من منعه خدمي ووضعي في غير موضعه ؟ فقال : إنه عندي غير متهم في حرمي ، فقالت : لو كان كذلك لحفظ ابنه مما ارتكبه قال : وما ذلك ؟ فأخبرته بخبر العباسة ، فقال : وهل على هذا من دليل ؟ قالت : وأي شيء أدل من الولد ، قال : وأين هو ؟ قالت : كان ها هنا فلما خافت ظهوره وجهت به إلى مكة ، قال : ويعلم بهذا سواك قالت ما في قصرك جارية إلا وقد عرفت ما أخبرتك به ، فسكت عنها وأظهر أنه يريد الحج ، وأخذ معه جعفراً ، فكتبت العباسة إلى الخادم والداية أن يخرجا بالصبي إلى نحو اليمن ، فلما وصل الرشيد إلى مكة وكل من يثق به بالبحث عن ذلك ، فلم يزل حت تحقق الأمر ، فأضمر السوء للبرامكة .
وقيل إن سبب نكبة البرامكة أن يقطين بن موسى كان من أكابر الشيعة ، وممن كان مع إبراهيم الإمام ، فقال يوماً للرشيد : حدثني مولاي إبراهيم الإمام أن الخامس من خلفاء بني العباس يغدر به كتابه ، فإن لم يقتلهم قتلوه ، فقال له الرشيد : الله - يحدثك الإمام بهذا قال : نعم .