كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 97 """"""
وقيل كان سبب ذلك أن الرشيد دفع يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب إلى جعفر بن يحيى فحبسه ، ثم استدعاه وسأله عن بعض أمره ، فقال له : اتق الله في أمري ، ولا تتعرض غداً أن يكون خصمك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فوالله ما أحدثت حدثاً ولا آويت محدثاً ، فرق له وقال : اذهب حيث شئت من بلاد الله . فقال : كيف أذهب ولا آمن أن أؤخذ ؟ فوجه معه من أوصله إلى مأمنه ، وبلغ الخبر الفضل بن الربيع فرفعه إلى الرشيد ، فقال : ما أنت وهذا - فلعله عن أمري ثم أحضر جعفراً وسأله عن يحيى ، فقال هو بحاله في الحبس ، فقال بحياتي ففطن جعفر وقال : لا وحياتك ، وقص عليه أمره ، وقال : علمت أنه لا مكروه عنده ، فقال : نعم ما فعلت ، ما عدوت ما في نفسي ، فلما قام عنه قال : قتلني الله إن لم أقتلك . وقيل إن الرشيد لما دفعه لجعفر بقي عنده ما شاء الله ، وكان جعفر يرى سرور الرشيد بموت من يموت في حبسه من هؤلاء ، فشرب جعفر عنده يوماً فقال : يا أمير المؤمنين إن يحيى قد مات ، فسر بذلك وقال : الحمد الله الذي كفاني أمره ولم يؤثمني فيه . وانصرف جعفر فأخبر أباه يحيى بن خالد بما كان . فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إن تركناه تلفنا ، وإن قتلناه فالنار لنا ، ثم كتب يحيى إلى عيسى بن ماهان وإلى خراسان يعرفه ما جرى ، وفزع إليه أن يكون عنده موسعاً عليه ، إلى أن يقضي الله فيه قضاءه ، ولم يكن يحيى يعلم ما كان بين علي بن عيسى وبين الفضل وجعفر من العداوة ، فلما وصل الكتاب إلى علي ووصل إليه يحيى قال : هذا من حيل الفضل وجعفر علي ، فأجاب يحيى بأنه فعل ما أراد ، وأنفذ كتاب يحيى إلى الرشيد ، فكتب إليه الرشيد يعرفه بحسن موقع ذلك عنده ، وأمره بإنفاذ يحيى بن عبد الله إليه سراً ، فلما وصل إليه أوقع بالبرامكة .
هذا مما قيل في سبب نكبة البرامكة أما كيفية الإيقاع بهم وقتل جعفر فقيل ، إن الرشيد لما قضى حجه أرسل السندي بن شاهك ، وهو أحد قواده ، وأمره أن يمضي إلى مدينة السلام والتوكل بالبرامكة وبدور كتابهم وأقاربهم ، وأن يجعل ذلك سراً بحيث لا يعلم به أحد حتى وصل إلى بغداد ، ففعل السندي ذلك ، وكان الرشيد قد نزل بالأنبار بموضع يقال له العمر ومعه جعفر ، فمضى جعفر إلى موضعه في سلخ المحرم ، ودعا بأبي زكار الأعمى الطنبوري ، ومدت الستارة وجلس جواريه خلفها يضربن ويغنين ، وأبو زكار يغنيه :
ما يريد الناس منا . . . ما ينام الناس عنا
إنما همهم أن . . . يكشفوا ما قد دفنا

الصفحة 97