كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)

"""""" صفحة رقم 98 """"""
قال : واستدعى الرشيد من ساعته بياسر ، غلام من غلمانه ، وقيل بمسرور الخادم ، فأرسله في جماعة من الجند إلى جعفر ، ليضرب عنقه وليأتيه برأسه ، فمضى حتى دخل على جعفر وعنده بختيشوع الطبيب ، وأبو زكار يغنيه :
فلا تبعد فكل فتى سيأتي . . . عليه الموت يطرق أو يغادي
وكل ذخيرة لا بد يوماً . . . وأن بقيت تصير إلى نفاد فقال له جعفر : قد سررتني بإقبالك إلي ، وسؤتني بدخولك علي بغير إذن ، فقال : الأمر أكبر من ذلك ، إن أمير المؤمنين أمرني بكذا وكذا ، فأقبل جعفر يقبل يديه ورجليه ، ويقول : دعني أدخل وأوصي ، فقال : لا سبيل إلى ذلك ، ولكن أوص بما شئت ، فأوصى بما أراد وأعتق مماليكه ، ثم قال : إن لي عندك حقاً ولن تجد مكافأتي إلا في هذه الساعة ، فارجع إلى أمير المؤمنين فأعلمه أنك قد نفذت كما أمرك به ، فإن أصبح نادماً كانت حياتي على يديك ، وكانت لك عندي نعمة ، وإن أصبح على مثل مذهبه نفذ ما أمرك به ، قال : ولا هذا ، قال : فأسير معك إلى مضرب أمير المؤمنين بحيث أسمع كلامه ومراجعتك إياه ، فإذا أبليت عذراً ولم يرض إلا بمصيرك إليه برأسي فعلت ، قال : أما هذا فنعم ، فسارا جميعاً إلى مضرب الرشيد ، فلما أتاه الخادم وجده في فراشه ، فلما أحس به قال : إيتني برأسه ، فعاد إلى جعفر وأخبره ، فقال الله الله ، والله ما أمرك إلا وهو سكران ، فدافع حتى أصبح أو راجعه ثانية ، فعاد ليراجعه فقال له : يا ماص بظر أمه ، إيتني برأسه ، فرجع إلى جعفر وأخبره ، فقال ومرة أخرى ، فلما رجع إليه حذفه بعمود كان في يده ، وقال : نفيت عن المهدي لئن لم تأتني برأسه لأقتلنك ، فخرج إلى جعفر وضرب عنقه وأتاه برأسه ، قال : من نقل أن الرسول إلى جعفر ياسر ، إنه لما وضع الرأس بين يدي الرشيد أقبل عليه ملياً ، ثم قال : يا ياسر جئني بفلان وفلان ، فلما أتاه بهما قال لهما الرشيد : اضربا عنق ياسر ، فإني لا أقدر أن أرى قاتل جعفر .
وقيل : إنه وجد على قصر علي بن عيسى بن ماهان بخراسان في صبيحة الليلة التي قتل فيها جعفر كتابة بقلم جليل :
إن المساكين بني برمكٍ . . . صبت عليهم غير الدهر
إن لنا في أمرهم عبرة . . . فليعتبر ساكن ذا القصر

الصفحة 98