كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 22)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
قال : وكان جعفر من أهل الفصاحة البارعة والفطنة التي لا تحد ، إلا أنه كان فيه بخل بالنسبة إلى أبيه وأخيه ، قال : ولما قتل جعفر أمر الرشيد بتوجيه من احتاط بيحيى وولده الفضل وجميع أسبابهم ، وحبس الفضل في بعض منازل الرشيد ، وحبس يحيى في منزله ، وأخذ مالهم وما وجد لهم من ضياع ومتاع وغير ذلك ، وأرسل من ليلته إلى سائر البلاد بالقبض على وكلائهم وأسبابهم وجميع أموالهم ، وأصبح فأرسل جثة جعفر إلى بغداد وأمر بنصب رأسه وأن يقطع بدنه قطعتين ، ينصب كل قطعة على جسر ، ولم يعرض الرشيد لمحمد بن خالد بن برمك وولده ، لأنه علم براءته مما دخل فيه أهله ، وقيل كان يسعى بهم ، ثم حبس الرشيد يحيى بن خالد وبنيه الفضل ومحمد ، ولم يفرق بينهم وبين عدة من خدمهم ، ولا ما يحتاجون إليه من جارية وغيرها ، ولم تزل حالهم سهلة حتى قبض الرشيد على عبد الملك بن صالح ، فعمهم سخطه فضيق عليهم .
وكان مقتل جعفر في ليلة السبت مستهل صفر سنة سبع وثمانين ومائة ، وكان عمره سبعاً وثلاثين سنة ، وكانت الوزارة إليهم سبع عشرة سنة ، ولما نكبوا قال الرقاشي : وقيل إن الشعر لأبي نواس :
ألآن استرحنا واستراحت مطينا . . . وأمسك من يحدي ومن كان يحتدى
فقل للمطايا قد أمنت من السرى . . . وطي الفيافي فدفداً بعد فدفد
وقل للمنايا قد ظفرت بجعفر . . . ولم تظفري من بعده بمسود
وقل للعطايا بعد فضل تعطلي . . . وقل للرزايا كل يوم تجددي
ودونك سيفاً برمكياً مهندا . . . أصيب بسيف هاشمي مهند
وروى أبو الفرج الأصبهاني أن الرقاشي اجتاز بجعفر وهو مصلوب ، فوقف يبكي أحر بكاء ، ثم أنشأ يقول :
أما والله لولا خوف واش . . . وعين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا . . . كما للناس بالحجر استلام
فما أبصرت قبلك يا ابن يحيى . . . حساماً فله السيف الحسام
على اللذات والدنيا جميعاً . . . ودولة آل برمك السلام