كتاب علو الهمة
عصره فِي هذا كثيرة مشهورة، وأخِذَ عن الشافعي العلمُ في سن الحداثة مع توفر العلماء في ذلك العصر، وهذا من الدلائل الصريحة لعظم جلالته وعلو مرتبته، وهذا كله من المشهور المعروف في كتب مناقبه وغيرها.
* وحكى ابنُ العلامة القرآني الإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى أن أمارات النبوغ، وعلو الهمة لما لاحت على والده في طفولته، قال له شيخه: "يا بني إن العلماء يقولون: إن من وجد من نفسه استعدادًا وموهبة تؤهله للإمامة تعيَّن عليه طلبها، وإن طلب الإمامة في الدين متعين عليك، فلا تضيع نفسك" اهـ بمعناه.
* ومن عجيب النماذج الناجحة في زراعة الهمة العالية في الأطفال ما يقال من أن الشيخ أقشمس الدين الذي تولى تربية السلطان محمد الفاتح العثماني رحمه الله، كان يأخذ بيده، ويمر به على الساحل ويشير إلى أسوار القسطنطينية التي تلوح من بعد شاهقة حصينة، ثم يقول له: أترى إلى هذه المدينة التى تلوح في الأفق إنها القسطنطينية، وقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رجلًا من أمته سيفتحها بجيشه، ويضمها إلى أمة التوحيد، فقال - صلى الله عليه وسلم - فيما رُوي عنه: "لَتَفْتَحُنَّ القسطنطينية، ولَنِعْمَ الأميرُ أميرُها، ولنعم الجيشُ ذلك الجيش" (¬1)، وما زال يكرر هذه الِإشارة على مسمع الأمر الصبي إلى أن نمت شجرة الهمة فِي نفسه العبقرية، وترعرعت في قلبه، فعقد العزم على أن يجتهد ليكون هو ذلك الفاتح الذي بَشَّر به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم-، وقد كان، فقد كان والده السلطان مراد الثاني -منذ صغره- يستصحبه معه بين حين وآخر إلى بعض المعارك، ليعتاد مشاهدة الحرب والطعان، ومناظر الجنود في
¬__________
(¬1) انظر "السلسلة الضعيفة والموضوعة" رقم (882).
الصفحة 392
424