كتاب علو الهمة
للقرآن ولا سابقًا للخيرات ولا حافظًا للمحرمات في أيام بعد أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأيام الخلفاء والصحابة أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه، لقد كان الغلام يجمع القرآن وهو ابن ثمان سنين، ولقد كان الغلام يستبحر في الفقه والعلم ويروي الحديث ويجمع الدواوين ويناظر المعلمين وهو ابن إحدى عَشَرةَ سنة.
وقد بلغ حب بعض الأمراء للعلم والعلماء إلى الحد الذىٍ جعله يعتبر العلماء في رعايته الخاصة، من هؤلاء الأمراء "المعز بن باديس" -أحد أمراء دولة الصهاجين في المغرب الِإسلامي- كان لا يسمع بعالم جليل إلا أحضره إلى حضرته، وجعله من خاصته، وبالغ في إكرامه، وعوَّل على آرائه، ومنحه أسمى الرواتب ....
وكذلك فعل الخليفة الموحدي الثالث "المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن" الذي أنشأ "بيت الطلبة"، وأشرف عليه بنفسه، وعندما بلغه حَسَدُ بعضِ حاشيته على موضع الطلبة النابغين عنده، فزع منهم، وخاطبهم قائلًا: "يا معشر الموحدين أنتم قبائل، فمن نابه منكم أمر فزع إلى قبيلته .. وهؤلاء الطلبة لا قبيلة لهم إلا أنا، فمهما نابهم من أمر فأنا ملجأهم، إليَّ فزعهم، وإليَّ يُنْسَبون".
وقد بلغت عناية المنصور بالطبيب "أبي بكر بن زهر" حدًّا عجيبًا؛ فقد كان أبو بكر يقيم عند الخليفة مددًا طويلة، ولا يرخص له بالسفر إلى أهله، حتى قال شعرًا في شوقه إلى ولده الصغير، فلما سمع المنصور هذا الشعر، أرسل المهندسين إلى "أشبيلية"، وأمرهم بدراسة بيت أبي بكر وحارته، وتشييد مثله في "مراكش"، ففعلوا ما أمرهم، ونقلوا عيال أبي بكر إليه، فلما رآها ابن زهر اندهش، وحصل عنده من
الصفحة 397
424