كتاب علو الهمة

وأول من سَنَّ سنةَ التشجيع في بلدنا هو العلامة مربي الجيل الشيخ طاهر الجزائري -رحمه الله- الفيلسوف المؤرخ الجدلي، الذي من آثاره المدارس الابتدائية النظامية في الشام، والمكتبة الظاهرية، والأستاذ "محمد كرد على بك"، وخالي الأستاذ "محب الدين الخطيب" ... ومما كتب في ذم التثبيط:
" ... وقد عجبت من أولئك الذين يسعون في تثبيط الهمم، في هذا الوقت الذي يتنبَّه فيه الغافل ...
وكان الأجدر بهم أن يشفقوا على أنفسهم، ويشتغلوا بما يعود عليهم وعلى غيرهم بالنفع، ولم يُرَ أحد من المثبطين قديمًا أو حديثًا أتى بأمرٍ مهم، فينبغي للجرائد الكبيرة، أن تكثر من التنبيه على ضرر هذه العادة والتحذير منها، ليخلص منها من لم تستحكم فيه، وينتبه الناس لأربابها ليخلصوا من ضررهم".
وكان الشيخ في حياته يشجِّع كل عامل، ولا يَثني أحدًا عن غاية صالحة، حتى لقد أخبرني أحد المقربين منه أنه قال له: (إذا جاءك من يريد تعلم النحو في ثلاثة أيام، فلا تقل له: "إن هذا غير ممكن"، فتفلَّ عزيمته، وتكسر همته، ولكن أقرئه وحبِّب إليه النحو، فلعله إذا أنس به واظب على قراءته).
* ثم إن التشجيع يفتح الطريق للعبقريات المخبوءة حتى تظهر وتثمر ثمرها، وتؤتي أكلها؛ ورُبَّ ولدٍ من أولاد الصُنَّاع أو التجار يكون إذا شُجِّع وأُخذ بيده عالمًا من أكابر العلماء، أو أديبًا من أعاظم الأدباء!
وفي علماء القرن الماضي في الشام من ارتقى بالجد والدأب والتشجيع من منوال الحياكة، إلى منصب الإفتاء، وكرسي التدريس تحت القبَّة.

الصفحة 401