كتاب علو الهمة

حفلة حافلة.
همم الرجالِ إذا مضت لم يثنِها ... خِدَعُ الثناء ولا عوادي (¬1) الذامِ (¬2)
* ومن هذا الباب قصة الشيخ "على كزبر"، وقد كان خياطًا في سوق المسكية على باب الجامع الأموي، فكان إذا فرغ من عمله ذهب فجلس في الحلقة التي تحت القبة فاستمع إلى الشيخ حتى يقوم فيلحق به فيخدمه، وكان الشيخ يعطف عليه لما يرى من خدمته إياه، فيشجعه ويحثه على القراءة، فقرأ ودأب على المطالعة، حتى صار يقرأ بين يدي الشيخ في الحلقة، ولبث على ذلك أمدًا وهو لا يفارق دكَّانه، ولا يدع عمله، حتى صار مقدمًا في كافة العلوم.
فلما مات الشيخ حضر في الحلقة الوالي والأعيان والكبراء ليحضروا أول درس للمدرِّس الجديد، فافتقدوا المعيد فلم يجدوه، ففتشوا عليه فإذا هو في دكانه يخيط، فجاؤوا به، فقرأ الدرس، وشرحه شرحًا أُعجب به الحاضرون وطربوا له، فعيَّن مدِّرسًا، ولبث خمسة عشر عامًا يدرس تحت قبة النسر، وبقيت الخطبة في أحفاده إلى اليوم] (¬3).
...
¬__________
(¬1) العوادي: جمع عادية، وعوادي الدهر: نوائبه، وعادية فلان: ظلمه وشره.
(¬2) الذَّأم: العيب، يقال: ذَأمه ذأمًا: عابه وحقَّره.
(¬3) من "فِكَر ومباحث" ص (128 - 134) بتصرف.

الصفحة 405