كتاب علو الهمة

وقال سليمان الداراني: "لو شك الناس كلهم في الحق، ما شككت فيه وحدي".
وقال بعض الصالحين: "انفرادك في طريق طلبك، دليل على صدق الطلب".
فعالي الهمة ترقى في مدارج الكمال بحيث صار لا يأبه بقلة السالكين، ووحشة الطريق لأنه يُحَصِّل مع كل مرتبة يرتقي إليها من الأنس بالله ما يزيل هذه الوحشة (¬1)، وإلا انقطع به السبيل.
[إن أول ثمرات العزة الإيمانية التي يحسها المؤمن: إدراكه ما في الإسلام من قوة الحقيقة التي يكفي لكي تعلن عن نفسها أن تتمثل في فرد واحد، وما في الآراء الجاهلية المخالفة من زيف الباطل، واحتياجها إلى سواد كثير، وعدد كبير من الأفراد، يأسر منظرهم كل ساذَج، فيغتر، وينطلي زيف الباطل عديه، دون أن يدرك ما هم فيه من الضلال.
¬__________
(¬1) وتوضيح ذلك بمراتب الدين فهي ثلاثة كما جاء في حديث جبريل: "الإسلام، والإيمان، والإحسان، فالإسلام أخص من الإيمان من حيث المعنى، لكنه أعم من حيث الأفراد، والإيمان أخص من الإحسان من حيث المعنى، لكنه أعم من حيث الأفراد، فكل محسن مؤمن، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا، وليس كل مؤمن محسنًا، وفي هذه المراتب درجات ودرجات، فكلما ارتفع السالك درجة شعر بقلة في السالكين، فإذا لم يكن قد حصل مع ارتفاع كل درجة من الأنس بالله بقدر شعوره بقلة السالكين في هذه الدرجة، لاستولى عليه الشعور بالوحشة، فأحسن أحواله حينئذ أن ينقطع عن الرقي أو يمله وهو بذلك مغبون، وإما أن يعود القهقرى، وهو في هذه الحالة خاسر مردود، فلا ييأس، وليعاود السير عساه أن يربح فلا يخسر أبدًا.

الصفحة 42