كتاب علو الهمة

نعيمٌ قَط؟ "، فيقول: "لا والله يا ربِّ"، ويُؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيُصبَغ في الجنة صَبغة، فيقّال له: "يا ابنَ آدم! هل رأيت بؤسا قط؟ هل مَر بك شدةٌ قط؟ " فيقول: "لا والله يا رب! ما مَر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط") رواه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما.
فكيف يكون عالَي الهمة مَن أمكنه أن يكون ملِكًا في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فتقوم الملائكة في خدمته، وتدخل عليه من كل باب: {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}، فإذا به يتنكب طريق الإيمان، ويتمرغ في وحل الكفر والفسوق والعصيان، ويزهد في جنة الرضوان، ويأبى إلا أن يكون حطبًا للنيران؟!
ويبذل نفسه وماله وولده في سبيل صد الناس عن سبيل الله، قال تعالى: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالًا بعيدًا}، وقال تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون}.
وكيف يكون عالَي الهمة من فطره الله على التوحيد، فأفسد فطرته، وآتاه نعمة العقل، فعطَّلَها، وبثَّ له آيات توحيده، ودلائلَ صدقِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الآفاق وفي نفسه، وأنزل كتابه المعجز، فأعرض عن ذلك كله، ولم يرفع به رأسًا، وجعل الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، قال تعالى: {ويوم نحشر من كل أمة فوجًا ممن يكذِّبُ بآياتنا فهم يُوزَعُون * حتى إذا جاءوا قال: أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علمًا أمَّاذا كنتم تعملون * ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون}.

الصفحة 72