كتاب علو الهمة

آخر:
ليس الجمال بمئزر ... فاعلم وإن رُدِّيتَ بُرْدا
إن الجمال معادن ... ومحاسنٌ أورثن مجدا
ورأينا العجب من صبرهم على شظف العيش، ومعاناة الفقر، إذ كانوا قد أحْصِروا في سبيل حفظ الدين، ووقفوا حياتهم على حراسة السنة، فهذا الإمام العَلَم إبراهيم بن إسحاق الحربي -رحمه الله- يقول: "أفنيت عمري ثلاثين سنة برغيفين، إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت، وإلا بقيتُ جائعًا عطشان إلى الليلة الثانية، وأفنيتُ ثلاثين سنة من عمري برغيف في اليوم والليلة، إنْ جاءتني امرأتي أو إحدى بناتي به أكلتُه، وإلا بقيتُ جائعًا عطشانَ إلى الليلة الأخرى".
والآن آكلُ نِصفَ رغيف وأربعَ عشرةَ تَمْرَة إن كان بُرنيًّا، أو نيِّفًا وعشرين إن كان دَقَلاً، ومَرِضَتْ ابنتي، فمضَتْ امرأتي، فأقامت عندها شهرًا، فقام إفطاري في هذا الشهر بدرهم ودانِقَين ونصف! ودخلتُ الحمَّامَ، واشتريتُ لهم صابونًا بدانِقَين، فقامَتْ نفقةُ شهر رمضان كله بدرهم وأربعة دوانق ونصف".
وقال أبو القاسم بن بُكَير: (سمعت إبراهيم الحربي يقول: "ما كنا نَعرفُ من هذه الأطبخة شيئًا، كنت أجيءُ من عَشٍّي إلى عَشِي وقد هيَّأتْ لي أمِّي باذنجانة مشويِة، أو لَعْقَةَ بِنٍّ -البِن بكسر الباء: الشَّحْم-، أو باقةَ فِجْل".
وقال أبو علي الخياط المعروف بالميت: (كنتُ يومًا جالسًا مع إبراهيم الحربي على باب داره، فلما أن أصبحنا قال لي: "يا أبا على قم إلى

الصفحة 80