كتاب علو الهمة

شُغلك، فإنَّ عندي فِجلةً قد أكلتُ البارحةَ خَضِرَها، أقومُ أتغدَّى بجزَرَتِها").

...
وقد دهش المؤرخون للسرعة التي أقام بها المسلمون دولتهم، وللسرعة التي انهارت بها أمامهم الإمبراطوريتان العظيمتان في ذلك الوقت، ولم يدرك الكثير منهم سر عظمة هذه الأمة الناشئة، الذي يكمن في المدد الرباني لهؤلاء المجاهدين، ليس فقط بالإمداد بالملائكة تُثَبِّتُ الذين آمنوا، لكن أيضًا بإمداد الله إياهم بمفاهيمَ وقيمٍ ومقوماتٍ أهَّلتهم لقيادة البشرية، وانتزاع عجلة القيادة من قيم هابطة، ومفاهيم متخلفة، وعقائد فاسدة، ومُثُلٍ مهترئة، فقد كانت المواجهة صراعًا بين حضارتين مختلفتين كل الاختلاف في القيم والمفاهيم والمنطلقات، وكان الطبيعي أن تسري سنة الله في خلقه، ويمضي قانونه المحكم: أن البقاء للأصلح {فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}، فلنطالع صورًا من هذه المواجهة بين الحضارتين، والتي حسمت نتيجة الصراع قبل المواجهة المسلحة لصالح حزب الله المفلحين:
لما بلغ عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بجيشه حاكم مصر "المقوقس" وجيشه، بعث عمرو إليه عشرة رجال أحدهم عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- وكان "عبادة" شديد السواد، وأمره أن يكون متكلم القوم، ولا يجيب الروم إلى شيء دعوه إليه إلا إحدى هذه الخصال الثلاث، فلما دخلت رسل المسلمين إلى المقوقس، وعلى رأسهم عبادة، هابه المقوقس لسواده وفرط طوله، وقال: "نَحُوا عني

الصفحة 81