كتاب علو الهمة

بيننا وبينكم خصلة نقبلها منك ولا نجيبك إليها إلا خصلة من ثلاث خصال، فاختر أيتها شئت، ولا تطمع نفسك في الباطل، بذلك أمرني الأمير، وبها أمره أمير المؤمنين، وهو عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل إلينا" (¬1).
وقد أراد المقوقس أن يستنزله عن شيء، أو أن يجعله يقبل شيئًا مما عرض عليه، فلم يقدر على شيء، بل وقع قوله على آذان صماء لما يقول، وقال عبادة يرد عليه بعد أن نفد صبره، ورفع يديه إلى السماء: "لا ورب هذه السماء، وَرب هذه الأرض، وربِّ كل شيء، ما لكم عندنا من خصلة غيرها فاختاروا لأنفسكم" (¬2)، عند ذلك اجتمع المقوقس بأصحابه فقالوا: "أما الأمر الأول فلا نجيب إليه أبدًا، فلا نترك دين المسيح إلى دين لا نعرفه"، وبذلك رفضوا شرط الإسلام، فلم يبق أمامهم إلَّا شرط الجزية أو الحرب، فقالوا: "إنا إذا أذعنَّا للمسلمين، ودفعنا الجزية، لم نَعْدُ أن نكون عبيدًا، ولَلْموت خير من هذا، فردَّ عليهم عبادة قائلًا: "إنهم إن دفعوا الجزية كانوا آمنين على أنفسهم وأموالهم وذراريهم، مسلطين في بلادهم على ما في أيديهم وما يتوارثونه فيما بينهم، وحُفظت لهم كنائسهم، لا يتعرض لهم أحد في أمور دينهم"، فقال المقوقس لمن حوله: "أجيبوني وأطيعوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث فوالله ما لكم بهم طاقة، وإن لم تجيبوا إليهم طائعين لتُجيبنهم إلى ما هو أعظم منها كارهين" (¬3).
¬__________
(¬1) "السابق" (1/ 294).
(¬2) "فتوح مصر" لابن عبد الحكم ص (59 - 63).
(¬3) السابق، وانظر: "عمرر بن العاص بين يدي التاريخ" ص (158 - 160).

الصفحة 84