كتاب علو الهمة

"زهرة" فخرج إليه حتى واقفه، فأراده أن يصالحهم، ويجعل له جُعْلًا (¬1) على أن ينصرفوا عنه، وجعل يقول: "أنتم جيراننا، وقد كانت طائفة منكم في سلطاننا ... " إلخ.
فقاك له زهرة: "صدقت، قد كان ما تذكر، وليس أمرنا أمير أولئك ولا طِلْبتنا، إنا لم نأتكم لطلب الدنيا، إنما طلبتنا وهمتنا: الآخرة، كنا كما ذكرت، يدين لكم مَن ورد عليكم منا، ويضرع إليكم يطلب ما في أيديكم، ثم بعث الله تبارك وتعالى إلينا رسولًا، فدعانا إلى ربه، فأجبناه، فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: إني قد سلطتُ هذه الطائفة على من لم يَدِنْ بديني، فأنا منتقم بهم منهم، وأجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به، وهو دين الحق، لا يرغب عنه أحد إلا ذَلَّ، ولا يعتصم به أحد إلا عَزَّ".
فقال له رستمَ: "وما هو؟ ".
قال: "أما عموده الذى لا يصلح منه شيء إلا به، فشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله تعالى، قال: "ما أحسن هذا! وأي شيء أيضًا؟ "، قال: "وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله تعالى".
قال: "حسن، وأي شيء أيضًا؟ ".
قال: "والناس بنو آدم وحواء، إخوة لأب وأم"، قال: "ما أحسن هذا! ".
ثم قال رستم: "أرأيت لو أني رضيت بهذا الأمر، وأجبتكم إليه،
¬__________
(¬1) الجُعْل، والجِعالة: ما جعله له على عمله من أجر، أو رِشْوة.

الصفحة 88