كتاب علو الهمة

ومعي قومي، كيف يكون أمركم؟ أيرجعون؟ ".
قال: "إى والله، ثم لا نقرب بلادكم أبدًا إلا في تجارة أو حاجة"، قال: "صدقتني والله، أما إن أهل فارس منذ ولي "أردشير" لم يَدَعُوا أحدًا يخرج من عمله من السِّفْلَة (¬1) كانوا يقولون: "إذا خرجوا من أعمالهم تعدوا طورهم، وعادوا أشرافهم".
فقال له زهرة: "نحن خير الناس للناس، فلا نستطيع أنْ نكون كما تقولون، نطع الله في السِّفْلَة، ولا يضرنا من عصى الله فينا"، فانصرف عنه، وطلب "رستم" آخر، ثم إن سعدا أرسل "رِبعي بن عامر" -رضي الله عنه- إلى رستم، فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق، والزرابي الحرير، وأظهر اليواقيت واللآلي الثمينة العظيمة، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة، وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبَها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه، فقالوا له: "ضع سلاحك"، فقال: "إني لم آتكم وإنما جئتكم حي دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت"، فقال رستم: "ائذنوا له"، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق، فخرق عامَّتَها، فقالوا له: "ما جاء بكم؟ "، فقال: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك، قبلنا ذلك منه، ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبي ذلك،
¬__________
(¬1) سِفْلَةُ الناس: أسافلهم، وغوغاؤهم.

الصفحة 89