كتاب فقه أشراط الساعة

وَوَلَّتْ حَذاءَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا صُبَابَةٌ؛ كَصِّبَابَةِ الإِناَءِ؛ يَتَصَابُّهَا صَاحِبهَا" الحديث (¬1)، فإذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قال هذا قبل أكثر من أربعةَ عشرَ قرنًا؛ فهمنا من هذه النصوص وغيرها أن قرب الساعة قُرْبٌ نِسْبِي؛ أي: هي قريبة بالنسبة إلى عُمر الدنيا كلها، وقد رَوَى المطلب بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كلان واقفًا بعرفات، فنظر إلى الشمس حين تدلت مثل التُّرْس للغروب، فبكَى واشتد بكاؤه، فقال له رجلٌ عنده: يا أبا عبدِ الرحمن، قد وقفتَ معي مرارًا لم تصنع هذا، فقال: ذكرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو واقفٌ بمكاني هذا، فقال: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ دُنْيَاكُمْ فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ" (¬2).
وقال الله -تعالى- في شأن الساعة: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 178].
وهذا يُفَسرُة قولُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في اقتراب الساعة، وقرب وقوعها: إِنَّهَا "كَالحَامِلِ الْمُتِمِّ الَّتي لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَوُهُمْ بِوِلَادِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا" (¬3).
"والقول الجامع للآية، والحديث: إن الثِّقَلَ هو الاقتراب بصورةٍ ثابتةٍ للحق على الرغم من تغير مراحل هذا الاقتراب؛ تمامًا مثل الجنين الذي
¬__________
(¬1) رواه الإمام أحمد رقم (17575) (29/ 114)، ومسلم رقم (2967) (14).
(¬2) رواه الإمام أحمد، (6173)، (9/ 27)، وقال الشيخ أحمد شاكر: "إسناده صحيح".
(¬3) عَجُز حديثٍ رواه الإمام أحمد (3556)، (5/ 189)، وقال الشيخ أحمد شاكر: "إسناده صحيح".

الصفحة 264