كتاب فقه أشراط الساعة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 - لو قرءوا التاريخ الإسلامي جيدًا وسبروا أغواره، لعلموا أن الجماعة المسلمة الأولى لم تقعد عن الجهاد بعد أن أوجبه الله عليها، وتسوغ لنفسها الأعذار، وتنتظر هلاك الفرس والرومان، وإنما خاضت حربا ضروسًا مع الدولتين، استخدمت فيها كل ما تمكنت من الحصول عليه من أسلحة عصرية حديثة، وقدمت قوافل الشهداء قافلة تلو الأخرى، وأكرمها الله بالنصر رغم أنها كانت أقل عددًا وعدة من عدوها، ورغم أن المسلمين كانوا يخوضون حربًا هجومية؛ ولهذا كان قياس جماعة شكري فاسدًا، وجميع النتائج التي انتهوا إليها ليست صحيحة.
2 - زعموا أن الجهاد الإسلامي لا يكون إلَّا بالسلاح القديم؛ كالسيف والقوس؛ ومن ثَمَّ فلا يصح أن يكون الجهاد الإسلامي المشروع -على حد زعمهم- إلَّا قتال رجل لرجل. ومن أدلتهم على ذلك قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. وهذا الدليل حجة عليهم، وليس لهم؛ فقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا} الإعداد: تهيئة الشيء للمستقبل.
{مَا اسْتَطَعْتُمْ}: {مَا} من ألفاظ العموم والاستغراق؛ أي: كل ما تقدرون عليه من أسباب القوة المادية والمعنوية.
روى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر- يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي". وهذا كما قال بعض المفسرين من قبيل حديث "الحج عرفة" بمعنى: أن كلا منهما أعظم الأركان في بابه، وذلك أن رمي العدو عن بُعْدٍ بما يقتله أسلم من مصاولته على القرب بسيف أو رمح أو حربة، وإطلاق الرمي في الحديث يشمل كل ما يُرمى به العدو من سهم أو قذيفة منجنيق أو طيارة أو بندقية أو مدفع وغير ذلك، وإن لم يكن هذا معروفًا في عصره صلى الله عليه وسلم، فإن اللفظ يشمله، والمراد منه يقتضيه، ومن قواعد الأصول: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالواجب على المسلمين في هذا العصر بنص القرآن صنع المدافع بأنواعها، والبنادق، والدبابات، والطيارات، والمناطيد، والصواريخ، والسفن الحربية، والغواصات، ويجب عليهم تعلم الفنون والصناعات التي يتوقف عليها صنع هذه الأشياء وغيرها من قوى الحرب، بدليل: =

الصفحة 308