كتاب مغازي الواقدي (اسم الجزء: 1-3)

وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ، فَجَعَلَ يُرْسِلُ هِجَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَرِثَاءَ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَرْسَلَ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ، يَقُولُ:
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ [ (1) ]
قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِ ... لَا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ
ويقول أقوام أذل بسخطهم [ (2) ] ... إن ابن أشرف ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ
صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضَ سَاعَةَ قُتّلُوا ... ظَلّتْ تَسِيخُ بِأَهْلِهَا [ (3) ] وَتُصَدّعُ
نُبّئْت أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ ... فِي النّاسِ يَبْنِي الصّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ
لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنّمَا ... يَسْعَى عَلَى الْحَسَبِ الْقَدِيمُ الْأَرْوَعُ [ (4) ]
قَالَ الْوَاقِدِيّ: أَمْلَاهَا عَلَيّ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ أَبِي الزّنَادِ، قَالُوا: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ فَأَخْبَرَهُ بِمَنْزِلِهِ عِنْدَ أَبِي وَدَاعَةَ، فَجَعَلَ يَهْجُو مَنْ نَزَلَ عِنْدَهُ حَتّى رَجَعَ كَعْبٌ إلَى الْمَدِينَةِ. فَلَمّا أَرْسَلَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ أَخَذَهَا الناس معه وَأَظْهَرُوا الْمَرَاثِيَ وَجَعَلَ مَنْ لَقِيَ مِنْ الصّبْيَانِ وَالْجَوَارِي يُنْشِدُونَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ بِمَكّةَ، ثُمّ إنّهُمْ رَثَوْا بِهَا، فَنَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا شَهْرًا، وَلَمْ تَبْقَ دَارٌ بِمَكّةَ إلّا فِيهَا نَوْحٌ، وَجَزّ النّسَاءُ شَعْرَ الرّءُوسِ، وَكَانَ يُؤْتَى بِرَاحِلَةِ الرّجُلِ مِنْهُمْ أَوْ بِفَرَسِهِ فَتُوقَفُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَيَنُوحُونَ حَوْلَهَا، وَخَرَجْنَ إلَى السّكَكِ فَسَتَرْنَ السّتُورَ [ (5) ] فِي الْأَزِقّةِ وَقَطَعْنَ الطّرُقَ فَخَرَجْنَ يَنُحْنَ، وَصَدّقُوا رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَجُهَيْمِ بْنِ الصّلْتِ.
وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَقَدْ كَمِدَ على من قتل من
__________
[ (1) ] فى ح: «يستهل ويدمع» .
[ (2) ] فى ح: «بعزهم» .
[ (3) ] ساخت الأرض بهم: انخسفت. (القاموس المحيط، ج 1، ص 262) .
[ (4) ] الأروع: الذي يروع لحسنه وجماله. (شرح أبى ذر، ص 212) .
[ (5) ] يريد أن النساء يضعن الستور على الطرق ويقطعنها ليجعلن مكانا للنوح.

الصفحة 122