كتاب مغازي الواقدي (اسم الجزء: 1-3)
يَكْفِينَاهُ، وَلَئِنْ كَانَ صَادِقًا إنّا لَأَسْعَدِ الْعَرَبِ بِهِ، إنّا لَلُحْمَتُهُ. قَالَ شَيْبَةُ:
هُوَ عَلَى مَا تَقُولُ، أَفَنَرْجِعُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ؟ فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ وَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا تُرِيدَانِ؟ قَالَا: الرّجُوعَ، أَلَا تَرَى إلَى رؤيا عاتكة وإلى رويا جُهَيْمِ بْنِ الصّلْتِ، مَعَ قَوْلِ عَدّاسٍ لَنَا؟ فَقَالَ: تَخْذُلَانِ وَاَللهِ قَوْمَكُمَا، وَتَقْطَعَانِ بِهِمْ. قَالَا: هَلَكْت وَاَللهِ، وَأَهْلَكْت قَوْمَك! فَمَضَيَا عَلَى ذَلِكَ.
فَلَمّا أَفْلَتَ أَبُو سُفْيَانَ بِالْعِيرِ وَرَأَى أَنْ قَدْ أَجْزَرَهَا [ (1) ] ، أَرْسَلَ إلَى قُرَيْشٍ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ- وَكَانَ مَعَ أَصْحَابِ الْعِيرِ، خَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ مَكّةَ- فَأَرْسَلَهُ أَبُو سُفْيَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالرّجُوعِ، وَيَقُولُ: قَدْ نَجَتْ عِيرُكُمْ، فَلَا تُجْزِرُوا [ (2) ] أَنْفُسَكُمْ أَهْلَ يَثْرِبَ، فَلَا حَاجَةَ لَكُمْ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، وَقَدْ نَجّاهَا اللهُ. فَإِنْ أَبَوْا عَلَيْك، فَلَا يَأْبَوْنَ خَصْلَةً وَاحِدَةً، يَرُدّونَ الْقِيَانَ، فَإِنّ الْحَرْبَ إذَا أَكَلَتْ نَكَلَتْ [ (3) ] . فَعَالَجَ قُرَيْشًا وَأَبَتْ الرّجُوعَ، وَقَالُوا: أَمّا الْقِيَانُ فَسَنَرُدّهُنّ! فَرَدّوهُنّ مِنْ الْجُحْفَةِ. ولحق الرسول أبا سفيان بِالْهَدّةِ- وَالْهَدّةُ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ عَقَبَةِ عُسْفَانَ عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْ مَكّةَ- فأخبره بمضى قريش، فقال: وا قوماه! هَذَا عَمَلُ عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، كَرِهَ أَنْ يَرْجِعَ لِأَنّهُ قَدْ تَرَأّسَ عَلَى النّاسِ، وَبَغَى، وَالْبَغْيُ مَنْقَصَةٌ وَشُؤْمٌ. إنْ أَصَابَ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ النّفِيرَ ذَلَلْنَا إلَى أَنْ يَدْخُلَ مَكّةَ. وَكَانَتْ الْقِيَانُ: سَارّةُ مَوْلَاةُ عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَمَوْلَاةٌ كَانَتْ لِأُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَمَوْلَاةٌ يُقَالُ لَهَا عَزّةُ لِلْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ. وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ. لا والله، لا نرجع
__________
[ (1) ] فى ث: «أن قد نجا بالعير» .
[ (2) ] فى ح: «فلا تحرزوا» . ويقال أجزرتك شاة إذا دفعت إليك شاة تذبحها. (مقاييس اللغة، ج 1، ص 456) . والمعنى هنا: لا تجعلوا أنفسكم ذبائح.
[ (3) ] فى الأصل: «إذا أوكلت اتكلت» ، وفى ت: «إذا أكلت انكلت» . وما أثبتناه هو قراءة ب.
الصفحة 43