كتاب السنة ومكانتها من التشريع لعبد الحليم محمود

ولقد استعانوا في سبيل المعرفة الصحيحة باللغة، وبالحوادث اليقينية المتواترة، وبالشهود العدول، وبالمقارنات.
لقد استعانوا بالنقد الداخلي، والنقد الخارجي ووصلوا بذلك إلى الحقائق التي يطمئنون إليها، برغم ما يفصل بينهم وبين مكان الأحداث من آلاف الأميال، وبرغم ما يفصل بينهم وبين أزمنة الحوادث من عشرات القرون.

ومع كل ما حاوله المؤرخون من جهد، ومع كل ما وضعوه من قواعد للوصول إلى اليقين فإنهم - والحق يقال - لم يصلوا في كل ذلك إلى ما وصل إليه سادتنا المحدثون - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -. وذلك للأسباب التالية:
1 - لقد بدأ تسجيل السُنَّةِ في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتم تسجيلها - كلها تقريبًا - في عهد الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -. فكان قرب الزمن، إذن، من عوامل صحة السنة.
2 - وسجل أكثرها في المكان نفسه الذي كان فيه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو في أمكنة قريبة، نسبيًا، منه.
3 - ولقد رُوِيَ عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث كانت تحد من الوضع، في المبدأ على الأقل، مثل حديث: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مِقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».

وهذه ملاحظات نذكرها لا لنقول أنها حاسمة فيما

الصفحة 63