كتاب السنة ومكانتها من التشريع لعبد الحليم محمود

يتعلق بأمر صحة ما روي - ولقد قدمنا: أن الوضع وجد بالفعل - ولكننا نذكرها في مقابلة ما يحاول بعض الناس التهويل به من أمر التزييف والوضع.

أما الأمور الحاسمة التي تجعلنا نثق بالنتائج والثمار التي وصل إليها سلفنا الصالح فيما يتعلق بأمر السنة، فإن في أساسها:
1 - إيمان هؤلاء السلف بأنهم في عنايتهم بالسنة: - بما صح منها، وبما وضع فيها - إنما يجاهدون في سبيل الله.
لقد كانوا مؤمنين إيمانًا عميقًا ثابتًا بأن في عنقهم واجبًا دينيًا هو أن يُخَلِّصُوا سُنَّةَ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، من كل زيف، وأن يُنَقُّوهَا من الكدورات في إخلاص مخلص، وفي صورة من اليقين لا يفترون في الوصول إليه.

ولقد كانوا يعدون بالآلاف، ويمتازون - كما يقول أبو الحسن الندوي - بعلو نشاطهم، وقوة احتمالهم وصبرهم وقوة ذاكرتهم وحفظهم، وقد تدفق سيلهم من بلاد العجم، وقد ملكت قلوبهم وعقولهم الرغبة الشديدة في جمع الحديث، وشغفوا به شغفًا حال بينهم وبين الشهوات، فطاروا في الآفاق، ونقبوا في البلاد في البحث عن الروايات المختلفة، والأسانيد الصحيحة.

وكان لهم في ذلك هيام وغرام لم يعرفا عن أمة من الأمم في التاريخ كله، يدل على ذلك بعض الدلالة ما يروى عن

الصفحة 64