كتاب السنة ومكانتها من التشريع لعبد الحليم محمود

أَتَّهِمُهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَىَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَصَاحِبُ هَوَىً يَدْعُو النَّاسَ إِلَىَ هَوَاهُ، وَشَيْخٌ لَهُ فَضْلٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لاَ يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ» (*).

ولقد كان يحيى بن سعيد القطان - رَحِمَهُ اللهُ - يترك حديث الكثير ممن يظهر بعض الناس بهم الخير، فقيل له: «أَمَا تَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ الذِينَ تَرَكْتَ حَدِيثَهُمْ خُصَمَاءَكَ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟» فَقَالَ: «لأَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ خَصْمِي أَحَبَّ إِليَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمِي رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكَذِبَ عَنْ حَدِيثِي؟».

لقد اتفق المحدثون على أَلاَّ يأخذوا الحديث عن:
1 - الكذابين على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل لقد اختلفوا في كفر هؤلاء، بل لقد اختلفوا في قبول الله لتوبتهم، ويكفي أن يعرف الكذب من أحدهم مرة واحدة على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيسقط ذلك جميع أحاديثه.
على أن الكذب على الناس كان في ترك حديث الكذاب حتى ولو كان يتحرج من الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما ذكر ذلك الإمام مالك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فيما سبق.
¬__________
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) قال الإمام مالك: «لاَ يُؤْخَذُ الْعِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ، وَيُؤْخَذُ مِمَّنْ سِوَى ذَلِكَ: لاَ يُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِ هَوًى يَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَوَاهُ، وَلاَ مِنْ سَفِيهٍ مُعْلِنٌ بِالسَّفَهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ، وَلاَ مِنْ رَجُلٍ يَكْذِبُ فِي أَحَادِيثِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ لاَ تَتَّهِمُهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ مِنْ رَجُلٍ لَهُ فَضْلٌ وَصَلاَحٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لاَ يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ». انظر " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي " للرامهرمزي، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، ص 403، الطبعة الثالثة: 1404 هـ، نشر دار الفكر - بيروت.
قارن بما ورد في كتاب " أبو هريرة راوية الإسلام " للدكتور محمد عجاج الخطيب ص 45، نقلاً عن " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ": ص 79: أ - ب. و " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: ص 32، جـ 1.

الصفحة 76