كتاب السنة ومكانتها من التشريع لعبد الحليم محمود

كُلُّهُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ الْمَقْلُوبَةِ، وَالْبُخَارِيُّ لاَ يَزِيدُهُمْ عَلَى: «لاَ أَعْرِفُهُ»، فَلَمَّا عَلِمَ [الْبُخَارِيُّ] أَنَّهُمْ قَدْ فَرَغُوا، الْتَفَتَ إِلَى الأَوَّلِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: «أَمَّا حَدِيثُكَ الأَوَّلُ، فَهُوَ كَذَا، وَحَدِيثُكَ الثَّانِي فَهُوَ كَذَا، وَالثَّالِثُ، وَالرَّابِعُ عَلَى الوَلاَءِ»، حَتَّى أَتَى عَلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ، فَرَدَّ كُلَّ مَتْنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ، وَكُلَّ إِسْنَادٍ إِلَى مَتْنِهِ، وَفَعَلَ بِالآخَرِينَ مِثْلَ ذَلِكَ. [وَرَدَّ مُتُونَ الأَحَادِيثِ إِلَى أَسَانِيدِهَا، وَأَسَانِيدَهَا إِلَى مُتُونِهَا]، فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالْحِفْظِ، وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْفَضْلِ (*).

قال الحافظ ابن حجر بعدما حكى هذه القصة، قلت: «هُنَا يُخْضَعُ لِلْبُخَارِيِّ، فَمَا العَجَبُ مِنْ رَدِّهِ الخَطَأَ إِلَى الصَّوَابِ، فَإِنَّهُ كَانَ حَافِظًا، بَلْ العَجَبَ مِنْ حِفْظِهِ لِلْخَطَأِ عَلَى تَرْتِيبِ مَا أَلْقَوْهُ عَلَيْهِ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ».

ونختم هذا الفصل بقول الأستاذ العَلاَّمَةِ الكبير الشيخ شبلي النعماني: «لما أرادت الأمم الأخرى من غير المسلمين أن تجمع في أطوار نهضتها أقوال رجالها وروايتهم كان قد فات عليهم زمن طويل، وانقضى بينها وبينهم عهد بعيد، فحاولوا كتابة شؤون أمة قد خلت، ولم يميزوا بين غث ذلك الماضي وسمينه، وصحيحه وسقيمه، بل لم يعلموا أحوال رواة تلك الأخبار ولا أسماءهم، ولا تواريخ ولادتهم.
¬__________
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) انظر: " تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي " للإمام السيوطي، تحقيق الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف: 1/ 293، الطبعة الثانية: 1399 هـ - 1979 م، نشر دار إحياء السُنَّةِ النبوية].
(**) "هدي الساري " مقدمة فتح الباري لابن حجر العسقلاني: ص 486. [" فتح الباري "، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، نشر دار المعرفة - بيروت، طبعة سَنَةَ 1379 هـ].

الصفحة 80