كتاب السنة ومكانتها من التشريع لعبد الحليم محمود

مثالين اثنين - من عشرات الأمثلة - التي تَعَمَّدَ جولدتسيهر، أنْ يكذب، وأنْ يُحَرِّفَ الكلم عن مواضعه فيها. وهذان المثالان إنما هما نموذج لأعمال كثير من المستشرقين العلميَّة، يقول المرحوم مصطفى السباعي: «زعم جولدتسيهر أن الزُّهْرِي اعترف اعترافاً خطيراً في قوله الذي رواه عنه معمر: «إِنَّ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءِ أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ» وأنَّ ذلك يفهم استعداد الزُّهْرِي لأنْ يكسو رغبات الحكومة باسمه المعترف به عند الأمة الإسلامية (*).

قَدَّمْنَا لك عند الحديث عن صدق الزُّهْرِي وجرأته، أنه أبعد الناس عن الرضوخ لأهواء الحاكمين، وذكرنا لك من الوقائع التاريخية بينه وبين خلفاء بني أمية ما تجزم معه بأنه ليس ذلك الرجل المستعد لأن يكسو رغبات الحكومة باسمه المعترف به عند المسلمين.

أما هذا النص الذي نقله ففيه تحريف مُتَعَمَّدٌ يقلب المعنى رأساً علي عقب، وأصله كما في ابن عساكر وابن سعد: أن الزُّهْرِي كان يمتنع عن كتابة الأحاديث للناس - ويظهر أنه كان يفعل ذلك ليعتمدوا على ذاكرتهم، ولا يتكلوا على الكتب كما ذكرنا من قبل - فلما طلب منه هشام وأصَرَّ عليه أن يُمْلِي على ولده ليمتحن حفظه كما تقدم.
¬__________
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للدكتور مصطفى السباعي: ص 221، الطبعة الثالثة - بيروت: 1402 هـ - 1982 م. المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت - لبنان.

الصفحة 94