كتاب تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام

ومن خصائصه، أنه شهر القرآن: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] (¬1) فللقرآن فيه شأن في إصلاح القلوب والهداية للتي هي أقوم لمن تلاه وتدبره وسأل الله به، وكم جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من بيان لفضل تلاوة القرآن لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران» (¬2) . وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأهله يوم القيامة» (¬3) . وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما» (¬4) وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «خيركم من تعلم القران وعلّمه» (¬5) . وكلها أحاديث صحيحة،
¬_________
(¬1) سورة البقرة، الآية: 185.
(¬2) جزء من حديث أخرجه مسلم برقم (798) - 244 في صلاة المسافرين وقصرها، باب: "فضل الماهر بالقرآن والذي ينتفع به". من حديث عائشة رضي الله عنها.
(¬3) أخرجه مسلم برقم (804) - 252. في صلاة المسافرين وقصرها، باب: "فضل قراءة القرآن وسورة البقرة". عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.
(¬4) أخرجه مسلم برقم (817) في صلاة المسافرين وقصرها، باب: "فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه". عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(¬5) أخرجه البخاري برقم (5027) في فضائل القرآن، باب: "خيركم من تعلم القرآن". قال الحافظ في الفتح (8 / 693) : ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره. جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي، ولهذا كان أفضل، وهو من جملة من عنى سبحانه وتعالى بقوله: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، [فصلت: 33] . والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى من جملتها: تعليم القرآن، وهو أشرف الجميع، وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام، كما قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا [الأنعام: 157] .
فإن قيل: فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه؟ . قلنا: لا، لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس، لأنهم كانوا أهل اللسان، فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر مما يدريها من بعدهم بالاكتساب، فكان الفقه لهم سجية، فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك، لا من كان قارئا أو مقرئا محضا لا يفهم شيئا من معاني ما يقرَؤهُ أو يقرئه.

الصفحة 30