كتاب تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام
على جليل العمل وجزيل الأجر بقيامهم لتلك الليالي المباركة، كل ليلة يظنون أنها ليلة القدر، فإنهم بقيامهم لتلك الليالي يثابون على قيام كل ليلة - لا سيما وأنهم يحتسبون أنها ليلة القدر، والأعمال بالنيات - مع أنهم يدركون ليلة القدر قطعا إذا قاموا كل ليالي العشر.
ولهذا كان من سُنةّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الاعتكاف تلك العشر، وهذا فيه الاجتهاد في العبادة، وبذل الوسع في تحري تلك الليلة، فينقطع في المسجد - تلك المدة - عن كل الخلائق، مشتغلا بطاعة الخالق، قد حبس نفسه على طاعته، وشغل لسانه بدعائه وذكره، وتخلى عن جميع ما يشغله، وعكف بقلبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له سوى الله وما شغل نفسه إلا بما فيه رضاه.
وحقيقة أن الاعتكاف سُنّة مأثورة وشعيرة مبرورة، وقد أوشكت أن تكون بين الناس مهجورة، فينبغي - لمن تيسّر له أمره - إحياؤها والترغيب فيها، فإن: «من سَنّ في الإسلام سُنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيء» (¬1) رواه مسلم، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «من دل على خير فله
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم برقم (1017) في الزكاة، باب: "الحث على الصدقة. . . . . . " وأخرجه مسلم أيضا في العلم، باب: "من سن سنة حسنة أو سيئة. . . . . " عن عائشة رضي الله عنها.
الصفحة 63
64