كتاب من أعلام أهل السنة والجماعة عبد الله بن المبارك

الأهواء، والتفقه فيها بترك الآراء فتجرد القوم للحديث وطلبوه، ورحلوا فيه وكتبوه، وسألوا عنه وأحكموه، وذاكروا به ونشروه، وتفقهوا فيه وأصّلوه، وفرّعوا عليه وبذلوه" 1
وسأعرض تحت هذا العنوان "من أعلام أهل السنة والجماعة" نماذج من أولئك الأئمة الأعلام مبيناً حسب الإمكان جهودهم العلمية والعملية في خدمة هذا الدين وتعلُّمه وتعليمه للناس، لعل شباب الإسلام اليوم يجدّون في الاقتداء بهؤلاء الأئمة ويحذون حذوهم فيحيون منهج أهل السنة والجماعة بين الناس ويكونون النموذج العملي لمبادئ تلك الرسالة كما كان أسلافهم من أهل القرون المفضلة.
__________
1 - 1/ 84-85 من مقدمة صحيح ابن حبان، ط. مؤسسة الرسالة.
وقال أحمد بن حنبل: لم يكن أحد في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه.
وقال الحسن بن عيسى الماسرجس مولى ابن المبارك: اجتمع جماعة مثل الفضل بن موسى ومخلد بن الحسين فقالوا: تعالوا نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والفصاحة، والشعر، وقيام الليل والعبادة والحج والغزو والشجاعة والفروسية والقوة، وترك الكلام فيما لا يعنيه، والإنصاف وقلة الخلاف على أصحابه1.
هذه شهادات أئمة عدول تبين لنا تلك المكانة العالية التي كان يحتلها هذا الإمام المجاهد والعالم الرباني بين علماء الأمة، هذه المكانة لم يكن ينالها ابن المبارك لو أنه آثر أن يعيش كما يعيش غيره من الناس على هامش الحياة آثراً الدعة والراحة على الجد والجهاد والتضحية والبذل.
بل كان همه رحمه الله وشغله الشاغل نصرة هذا الدين وإعلاء كلمة الله فكان يبذل في سبيل ذلك نفسه وماله وعلمه وصحته ووقته رحمه الله ورضي عنه.
جهوده في خدمة منهج أهل السنة والجماعة:
تلقى الإمام ابن المبارك هذا المنهج الصافي عن شيوخه من التابعين وهم تلقوه عن الصحابة رضوان الله عليهم، فبذل رحمه الله في سبيل
__________
1 انظر تاريخ بغداد: 10/ 156-163، سير أعلام النبلاء: 8/ 336-346 هذا، وهناك أقوال كثيرة في الثناء عليه وبيان مكانته آثرت الاقتصار هنا على أهمها وأجمعها.

الصفحة 13