كتاب من أعلام أهل السنة والجماعة عبد الله بن المبارك

ثم حرك دابته وبرز للعلج فعالج معه ساعة، فقتل العلج، وطلب المبارزة فبرز له علج آخر، فقتله، حتى قتل ستة علوج، وطلبه البراز فكأنهم كاعوا- أي جبنوا- عنه، فضرب دابته وطرد بين الصفين، ثم غاب فلم نشعر بشيء، فإذا أنا به في الموضع الذي كان، فقال لي: يا عبد الله لئن حدثت بهذا أحداً وأنا حي ... فذكر كلمة..!! 1.
قال صاحب مفتاح السعادة:
كان ابن المبارك يقضي جل وقته في الجهاد في سبيل الله، وكان يقاتل ويبلى بلاء حسناً، فإذا جاء وقت القسمة غاب، فقيل له في ذلك، فقال: يعرفني الذي أقاتل له2.
هكذا تكون النية في الجهاد، إنه لأجل إعلاء كلمة الله وابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى لا لمنصب ولا لجاه، ولا لمال، إنما يكون الجهاد لنشر دين الله بين الناس، وإقامة العدل في الأرض بتحكيم الكتاب والسنة، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، لا لمجرد تسلم السلطة لذاتها ولا من أجل تغلب حزب على حزب أو فئة على فئة.
ثالثاً: في مجال العلم:
تلقى ابن المبارك العلم على مشايخ بلده ثم رحل في طلب العلم على غيرهم، كعادة الأئمة من السلف الصالح في طلب العلم3.
وكان سنه آنذاك عشرين سنة عند رحلته، وأخذ العلم عمن أدرك عن التابعين ومن بعدهم، وأكثر من الترحال والتطواف إلى أن مات في
__________
1 سير أعلام النبلاء: 8/ 361، ط. الأولى، بيروت.
2 مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده: 2/248، ط. الأولى بالقاهرة.
3 قال يحيى بن معين: أربعة لا تؤنس منهم رشداً: حارس الدرب ومنادى القاضي وابن المحدث ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث. معرفة علوم الحديث للحاكم، ص: 9.

الصفحة 22