كتاب أسرار ترتيب القرآن - ط الاعتصام

وشرفه في الماعون بذم عدوه بثلاث الدناءة واللؤم في قوله فذلك الذي يدع اليتيم ولايحض على طعام المسكين 2 3 وترك تعظيم الخالق في قوله فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون 4 6 وترك نفع الخلق في قوله ويمنعون الماعون 6
فلما شرفه في هذه السور بهذه الوجوه العظيمة قال إنا أعطيناك الكوثر أي هذه الفضائل المتكاثرة المذكورة في هذه السور التي كل واحدة منها أعظم من ملك الدنيا بحذافيرها فاشتغل أنت بعبادة ربك إما بالنفس وهو قوله فصل لربك وإما بالمال وهو قوله وانحر وإما بإرشاد العباد إلى الأصلح وهو قوله قل يا أيها الكافرون لاأعبد ما تعبدون الآيات فثبت أن هذه السورة كالمتممة لما قبلها
وأما كونها كالأصل لما بعدها فهو أنه تعالى يأمره بعد هذه أن يكف عن أهل الدنيا جميعا بقوله قل يا أيها الكافرون إلى آخر السورة ويبطل أذاهم وذلك يقتضي نصرهم على أعدائهم لأن الطعن على الإنسان في دينه أشد عليه من الطعن في نفسه وزوجه وذلك مما يجبن عنه كل أحد من الخلق فإن موسى وهارون أرسلا إلى فرعون واحد فقالا إنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى 20 45 ومحمد صلى الله عليه و سلم مرسل إلى الخلق جميعا فكان كل واحد من الخلق كفرعون بالنسبة إليه فدبر الله في إزالة الخوف الشديد تدبيرا لطيفا بأن قدم هذه السورة وأخبر فيها بإعطائه الخير الكثير ومن جملته ايضا الرئاسة ومفاتيح الدنيا فلا يلتفت إلى ما بأيديهم من زهرة الدنيا وذلك أدعى إلى مجاهدتهم بالعداوة والصدع بالحق لعدم تطلعه إلى ما بأيديهم
ثم ذكر بعد سورة الكافرين سورة النصر فكأنه تعالى يقول وعدتك

الصفحة 164