كتاب اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (اسم الجزء: 2)

اخْتلف فِي تَفْسِير الْعَرَايَا، فَروِيَ عَن مَالك رَحمَه الله أَنه قَالَ: " الْعَرَايَا أَن يكون الرجل لَهُ النَّخْلَة والنخلتان فِي وسط النخيل الْكثير لرجل آخر، وَقد كَانَ أهل الْمَدِينَة إِذا كَانَ وَقت الثِّمَار خَرجُوا إِلَى حوائطهم، فَيَجِيء صَاحب النَّخْلَة والنخلتين (بأَهْله) فَيضر بِصَاحِب النّخل الْكثير. فَرخص رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لصَاحب النّخل الْكثير أَن يُعْطي صَاحب الْقَلِيل بخرص مَاله من ذَلِك تَمرا لينصرف هُوَ وَأَهله عَنهُ ويخلص لَهُ تمر الْحَائِط كُله ".
وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ (أَنه قَالَ) : معنى ذَلِك عندنَا أَن يعري الرجل الرجل تمر نخله من نخله فَلم يسلم ذَلِك إِلَيْهِ حَتَّى يَبْدُو لَهُ، فَرخص لَهُ أَن يحبس ذَلِك وَيُعْطِيه مَكَانَهُ خرصه تَمرا.
فَكَانَ هَذَا التَّفْسِير أشبه من تَفْسِير مَالك رَحمَه الله. أَلا ترى إِلَى الَّذِي مدح الْأَنْصَار كَيفَ مدحهم إِذْ يَقُول:
(لَيست (بسنهاء) وَلَا رجبية ... وَلَكِن عرايا فِي السنين الجوائح)

أَي أَنهم كَانُوا يعرونها فِي السنين الجوائح. فَلَو كَانَت الْعرية كَمَا ذهب إِلَيْهِ مَالك رَحمَه الله، إِذا لما كَانُوا ممدوحين إِذا كَانُوا يُعْطون مَا يُعْطون، وَلَكِن الْعرية بِخِلَاف ذَلِك، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يَنْفِي شَيْئا مِمَّا ذَكرْنَاهُ، وَإِنَّمَا يكون فِيهِ مَا يَنْفِي ذَلِك أَن لَو قَالَ: " لَا تكون الْعرية / إِلَّا فِي خَمْسَة أوسق ". وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيحْتَمل أَن يكون

الصفحة 487