كتاب اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (اسم الجزء: 2)

والعالية: امْرَأَة جليلة الْقدر، قَالَ فِي طَبَقَات ابْن سعد: " الْعَالِيَة بنت أَنْفَع بن شرَاحِيل، امْرَأَة أبي إِسْحَاق السبيعِي، سَمِعت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ".
فَإِن قيل: هَذَا مَذْهَب الصَّحَابِيّ فِي مَحل الْقيَاس فَلَا يُقَلّد. ثمَّ إِنَّهَا عابت عَلَيْهِ الْعقْدَيْنِ وَأَنْتُم مُسلمُونَ صِحَة العقد الأول، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم لكم التَّمَسُّك بالأثر إِذا صرتم إِلَى فَسَاد الْعقْدَيْنِ.
قيل لَهُ: أما تَقْلِيد الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ، فقد قَالَ بعض أَصْحَابنَا: إِن تَقْلِيد الصَّحَابِيّ وَاجِب، وَافق الْقيَاس أَو خَالفه. وَهُوَ قَول (أبي سعيد البرذعي) وَمن تَابعه من أَصْحَابنَا. وَاحْتج بقوله عَلَيْهِ السَّلَام: " اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر " رَضِي الله عَنْهُمَا. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ ". جعل الِاقْتِدَاء / سَبَب الاهتداء فَوَجَبَ أَن يجب الِاقْتِدَاء لكَي يحصل الاهتداء. وَمُطلق الِاقْتِدَاء يكون بِالْفِعْلِ تَارَة، وبالقول أُخْرَى، وَقَالَ جُمْهُور أَصْحَابنَا رَحِمهم الله: " تَقْلِيد قَول الْفُقَهَاء من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَاجِب، سَوَاء وَافق الْقيَاس أَو خَالفه. لِأَن الظَّاهِر من حَال الْفَقِيه أَنه كَمَا لَا يعْمل إِلَّا عَن علم وَدَلِيل، فَكَذَلِك (لَا يَقُول) مَا يَقُول إِلَّا عَن معرفَة وَدَلِيل، فترجع جِهَة الصَّوَاب فِي مقَالَته على جِهَة الْخَطَأ، فَانْدفع احْتِمَال الْخَطَأ ظَاهرا، خُصُوصا إِذا تَأَكد ذَلِك بِشَهَادَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، حَيْثُ شهد لَهُم بِالْحَقِّ وَالْهدى حَتَّى صَار الِاقْتِدَاء بهم سَببا للاهتداء، والتقليد من بَاب الِاقْتِدَاء، فَوَجَبَ أَن يكون ذَلِك وَاجِبا ليَكُون ذَلِك طَرِيقا إِلَى

الصفحة 491