كتاب قضايا الشعر المعاصر

وقد يقال إن أشطر ابن دريد لا يُعتد بها لأنها مضت ولم تخلف أثرًا فلم يقتد بها شاعر. غير أن من الممكن أن نقول أيضًا أن المقطوعة تدل على شيء واحد هو أن العصر لم يكن مهيئًا بعد لهذا التجديد الباهر، فذهب جفاء ولم يمكث في الأرض.
كذلك قد يقال إن أشطر ابن دريد، مجدبة، لا طراوة فيها ولا موسيقية ولا جمال، وهذا صحيح ونحن نوافق عليه. ولكن ذلك لا ينفي أنها تدعو إلى شيء جديد بديع لم يقبله العصر إذ ذاك. أما تنقل الشاعر من وزن إلى وزن فهو يدل على وعي مبكر عند الشاعر إلى أن من الممكن الجمع بين بحور الدائرة الواحدة من دوائر الخليل بن أحمد بالاتكاء إلى ضرب معين يختم به البحر الواحد ويمهد إلى الانتقال للبحر التالي. وهذا عين ما اكتشفه شعراء البند في العصور المتأخرة.
كذلك نقل عبد الكريم الدجيلي من كتاب "وفيات الأعيان" أشطرًا منسوبة إلى أبي العلاء المعري تجري هكذا:
أصلحك الله وأبقاك
لقد كان من الواجب أن تأتينا اليوم
إلى منزلنا الخالى
لكي نحدث عهدا بك يا خير الاخلاء
فما مثلك من غيَّر عهدًا أو غفل
إن هذه الأشطر شعر حر من الرجز ثم من الهزج، وهي مثل أشطر ابن دريد غير كاملة، وقد وقف الشاعر عند منتصف تفعيلة الهزج. وإذا ما وزعنا الأشطر توزيعًا أقرب إلى توزيع شعرنا القديم لاحت الأشطر متساوية الطول من مجزوء الرجز كما يلي:

الصفحة 11