كتاب قضايا الشعر المعاصر

أن هناك أربعة شروط ينبغي أن تتوافر لكي نعتبر قصيدة ما أو قصائد هي بداية هذه الحركة وسأدرجها فيما يلي:
1- أن يكون ناظم القصيدة واعيًا أنه قد استحدث بقصيدته أسلوبًا وزنيًّا جديدًا سيكون مثيرًا أشد الإثارة حين يظهر للجمهور.
2- أن يقدم الشاعر قصيدته تلك "أو قصائده" مصحوبة بدعوة إلى الشعراء يدعوهم فيها إلى استعمال هذا اللون في جرأة وثقة، شارحًا الأساس العروضي لما يدعو إليه.
3- أن تستثير دعوته صدى بعيدًا لدى النقاد والقراء فيضجون فورًا -سواء أكان ذلك ضجيج إعجاب أم استنكار- ويكتبون مقالات كثيرة يناقشون فيه الدعوة.
4- أن يستجيب الشعراء والدعوة ويبدءون فورًا باستعمال اللون الجديد، وتكون الاستجابة على نطاق واسع يشمل العالم العربي كله.
ولو تأملنا القصائد الحرة التي ظهرت قبل عام 1974 لوجدناها لا تحقق أيًّا من هذه الشروط، فإنها مرت ورودًا صامتة على سطح تيار، وجرفها الصمت فلم يعلق عليها أحد، ولم يتقبلها شاعر واحد. فضلًا عن أنها لم تكن مصحوبة بدعوة رسمية تثبت القاعدة العروضية لهذا الشعر الجديد وتنادي الشعراء إلى استعماله. يضاف إلى ذلك أن ناظميها أنفسهم لم يكونوا شاعرين بأهمية ما صنعوا على أي وجه من الوجوه. ولذلك لم يستمروا في استعماله وإنما تركوه وشيكًا بعد قصيدة واحدة أو اثنتين وعادوا إلى أسلوب الشطرين كأن لم يكن شيء ...
وعلى هذا فإن القصائد الحرة التي نظمت قبل عام 1947 قد كانت كلها "إرهاصات" تتنبأ بقرب ظهور حركة الشعر الحر. ولأولئك الشعراء دورهم الذي نعترف به أجمل اعتراف، فإنهم كانوا مرهفين فاهتدوا

الصفحة 16