كتاب قضايا الشعر المعاصر

إلى أسلوب الشعر الحر عرضًا، وإن كانوا لم يشخصوا أهمية ما طلعوا به ولا هم صمدوا واستمروا ينظمونه. ولعل العصر نفسه لم يكن مهيأ لتقبل الشكر الجديد إذ ذاك، ولذلك جرف الزمن ما صنعوا وانطفأت الشعلة فلم تلتهب حتى صدر "شظايا ورماد" عام 1949 وفيه دعوتي الواضحة إلى الشعر الحر.
وقد توهم طائفة من الذين تناولوا أحكامي بالنقد -ولا يخلون أن يكون بينهم من هو شتام لا ناقد موضوعي رصين- توهموا أنني يوم حكمت بأن أول قصيدة حرة منشورة كانت قصيدتي "الكوليرا" إنما كنت أدري بوجود قصائد حرة ظهرت قبل قصيدتي وأنني تعمدت إغفالها وعدم الإشارة إليها لأنسب المجد إلى نفسي. وهذا اتهام موجع لا أساس له، يعلم الله. وإنما اندفعت إلى التجديد بتأثير معرفتي بالعروض العربي وقراءتي للشعر الإنكليزي. وليس من مبرر على الإطلاق أن نفترض أن شاعرة مثلي أو شاعرًا مثل بدر شاكر السياب لا تستطيع الاهتداء بفطرتها عام 1947 إلى ما قد اهتدى إليه شعراء آخرون غيرها مثل علي أحمد باكثير وعرار وبديع حقي ولويس عوض منذ سنوات أكثر تبكيرًا.
كذلك أحب أن أثبت، في ختام هذا الحديث، اعتقادي بأنني لو لم أبدأ حركة الشعر الحر، لبدأها بدر شاكر السياب يرحمه الله، ولو لم نبدأها أنا وبدر لبدأ شاعر عربي آخر غيري وغيره، فإن الشعر الحر قد أصبح في تلك السنين ثمرة ناضجة حلوة على دوحة الشعر العربي بحيث حان قطافها، ولابد من أن يحصدها حاصد ما في أية بقعة من بقاع الوطن العربي. لأنه قد حان لروض الشعر أن تنبثق فيه سنابل جديدة باهرة تغير النمط الشائع، وتبتدئ عصرًا أدبيًّا جديدًا كله حيوية وخصب وانطلاق.

الصفحة 17