كتاب قضايا الشعر المعاصر

3- بحور الشعر الحر
سبق لي في كتابي هذا أن جعلت البحور التي يصح نظم الشعر الحر منها ثمانية هي الكامل والهزج والرمل والرجز والمتدارك والمتقارب والوافر والسريع. وكان حكمي هذا قائمًا على أساس اعتبار التفعيلة الواحدة المكررة في الشطر أساسًا. فإذا كانت التفعيلة غير مكررة في الشطر تكرارًا متجاورًا لم يصح عندي نظم شعر حر من الوزن الذي تنتمي إليه مثل بحور البسيط والمديد والخفيف والمجتث والمنسرح وسواها.
على أن الشعراء وأولهم بدر شاكر السياب -رحمه الله- حاولوا نظم شعر حر من بحور أخرى غير التي ذكرتها كالطويل والبسيط والخفيف. وقد درست ما صنعوه فوجدت ذلك يقوم على أساس اعتبار الوحدة في القصيدة الحرة تفعيلتين اثنتين بدلًا من واحدة كقولهم من الطويل:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
فعولن مفاعيلن
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
ولا يجوز هنا أن تكرر تفعيلة واحدة مختارة لأننا بذلك نخرج إما إلى المتقارب "فعولن فعولن فعولن" أو إلى الهزج "مفاعيلن مفاعيلن".
وأما البسيط فيمكن أيضًا أن نقسم الشطر فيه إلى قسمين "مستفعلن فاعلن" و"مستفعلن فعلن" ولا نخفي أن "فاعلن" نفسها كثيرًا ما تخبن فتتحول إلى "فعلن" فتصبح القسمة أشد ضبطًا. غير أن بدر السياب نظم شعرًا حرًّا من البسيط دون التقيد بضرورة إيراد التفعيلتين معًا وإنما كانت قصيدته الحرة من البسيط تجري كما يلي مثلًا:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن

الصفحة 18