كتاب قضايا الشعر المعاصر

كذلك ينبغي لنا أن نلاحظ أن قول السياب "أم من حياة نسيناها" قد يكون منفرًا لمجرد أنه لم يحافظ على وحدة التفعيلة، وهي كما قلنا تكون في البسيط والطويل تفعيلتين اثنتين لا تفعيلة واحدة.
وأما وزن الخفيف فإن الشعر الحر منه أشد اضطرابًا من شعر البسيط وذلك لأن البسيط ينقسم إلى وحدتين شبه متجانستين هما "مستفعلن فاعلن" و"مستفعلن فعلن"، فمن السائغ إلى حد ما نظم شعر حر منه على أساس أن الوحدة تفعيلتان لا تفعيلة واحدة. وأما الخفيف فإن شطره مكون من ثلاث تفعيلات:
فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن
فكيف يمكن تقسيمه؟ هنا لا بد من أن نجمع بين تشكيلتين فقط هما:
فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن
فاعلاتن مستفعلن
والواقع أن الجمع بين هاتين التشكيلتين ليس أمرًا جديدًا استحدثه الشاعر الحر. فأنا أتذكر في صباي أنني أقرأ من البحر الخفيف قصائد تتكون من مقطوعة ذات عدد معين من أبيات الخفيف المألوف ذي الشطرين ثم يرد فجأة بيتان مجزوءان. وبذلك جمع الشعراء تشكيلتين من الخفيف في قصيدة واحدة. ومنه قول الشاعر عبد اللطيف الكمالي في قصيدة عنوانها "مجاهد" أهداها إلى الرابضين في جبال فلسطين وصحاري الأردن وربما كان ذلك حوالي سنة 1940 أو قبلها. قال:
وتر مسه الفخار فرنا ... وتغنى بآية ما تغنَّى
يشبع المجد والعلى نغمات ... لوعت مهجة الحلي المهنا
ويذيب النشيد لحنًا عجابًا ... كلما رن معول الظلم أنَّا
فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ... فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن

الصفحة 20