كتاب قضايا الشعر المعاصر

لا بد من إشباعها. وهذه هي الفائدة الإنسانية للشعر، وهي فائدة تجعل اهتمام الدعوة بالموضوع أمرًا لا داعي إليه، فالشاعر يؤدي إلى المجتمع الإنساني خدمة جسيمة حتى وهو "يلهو" بالتعبير عن سروره بمراقبة القمر وهو يمر عبر السماء.
وإذا استشرنا أنصار مذهب التطور وجدنا فائدة الشعر تمتد حتى تشمل جهة جديدة بما تقدمه من متعة جمالية كالمتعة التي يجدها المرء في شقشقة العصافير وسكينة الفجر وهدير الشلالات وألوان الصخور. فهذه أشياء لا تستغني عنها الإنسانية؛ لأنها بما تقدم من لذة عاطفية تعين على تطور الحواس الجمالية عند الإنسان وتساعده على النمو العاطفي. والواجب الأعظم للشاعر الوطني أن يرهف مشاعر مواطنيه ويصقل أحاسيسهم الجمالية ويدفع بهم نحو مستقبل إنساني أرفع وأعمق.
وفي ختام هذا النقد العاجل للدعوة الاجتماعية نستطيع أن نقول إن الدعوة تتناسى تناسيًا تامًّا أن آداب الأمم لا تستجيب للدعوات الخارجية، وإنما تنبع من تأثرها غير الواعي بالتيارات المتداخلة التي تكمن وراء الحياة اليومية وتنحدر من ظروفها التاريخية وملابسات حياتها النفسية عبر العصور.
ولم يرو التاريخ أن أدب أمة من الأمم قد غيَّر اتجاهاته وفق دعوة عامدة نادت بها الصحافة. ومن أعجب العجب أن يقف الذين يزاولون النقد هذا الموقف الواعظ بدلًا من أن يستخلصوا القيم التي يرتكز إليها شعرنا المعاصر الذي هو دائمًا شعر اجتماعي أنتجته تربتنا. وقد لا يخفى على الدعاة أن الموقف الوعظي ينطوي على تجاهل تام لقيمة العناصر اللاشعورية في كل أدب، وهي عناصر ضرورية مصاحبة للإبداع والأصالة والاكتمال ومن دونها لا يكون الأدب أدبًا. فلماذا سينتهي إليه الشعر العربي إن قدر لدعوة الاجتماعية أن تنجح؟ لا شك في أنه سيصبح نمطًا واحدًا مصطنعًا لا يملك الشاعر أن يحيد عنه، وفي هذا سيلقى الشعر مصيره.

الصفحة 302