كتاب قضايا الشعر المعاصر

قريته في قصيدة "العودة"1 تعيد إلى ذهنه ذكرى القمة العليا للحياة، تلك القمة التي يبلغها الإنسان بالموت:
أموت قرير العين فيك منعما
يخدرني نفح من المرج عاطر
ويلحفني هذا البنفسج ولتكن
مسارح عيني الربى والمخاضر
وآخر ما أصغي إليه من الصدى
خريرك يفنى وهو في الموت سائر
ولعل هذه الأبيات تذكرنا باللوحة الجميلة التي رسمها أبو القاسم لقبره، فهنا نجد العطر والبنفسج وخرير الماء وشاعرًا يموت سكران بالجمال مخدرًا بالعبير. هذه العذوبة التي يجدها الشاعر في تذكر ساعة الموت تعيد إلى الذاكرة قول كيتس في إحدى رسائله إلى خطيبته "فاني": "هناك أمران خصبا الجمال أحلم بهما: حبك وساعة موتي". والهمشري لا يقل عن كيتس تولهًا بالفناء، حتى إنه نظم ملحمة كاملة سماها "شاطئ الأعراف"2 وتحدث فيها عن رحلته الأولى بعد الموت نحو الحياة الأخرى. والقصيدة تكاد تكون أغنية حب موجهة إلى الموت لا أثر فيها للحسرة ولا للذكرى، وكأن الشاعر يلتذ لكل لحظة من لحظات موته إن صح التعبير.
أما الشاعر الإنكليزي روبرت بروك RUPERT BROOKE الذي مات قتيلًا في الحرب العظمى، فإن حبه للموت لم يكن حب عشق كحب الشابي وكيتس والهمشري، وإنما كان حب صداقة، كان خاليًا من تلك الحدة
__________
1 "الروائع لشعراء الجيل" محمد فهمي "القاهرة" ص28.
2 المصدر السابق. ص36.

الصفحة 308