كتاب قضايا الشعر المعاصر

الحسية التي لمسناها في شعر زملائه. وسبب هذا، في رأينا، أن بروك لا يرى في الموت غرابة تجعله يبالغ في حبه، وإنما هو شيء اعتيادي له ما للحياة من جمال وفيه ما فيها من إزعاج لا أكثر.
وقد ترك هذا الموقف أثره في شعر بروك الذي يتجه اتجاهًا يختلف عن اتجاهات الثلاثة الآخرين. فهو مثلًا يتحدث في إحدى قصائده عن "شاعر" ميت لقي حبيبته في جهنم، فراحا يركضان عبر شوارع الجحيم سرورًا باللقاء.. ثم اكتشف فجأة أن عينيها فارغتان، وأحس، مكان شفتيها القديمتين، برودة ثلجية. وأدرك أخيرًا أنهما ميتان كلاهما1.
وفي هدوء تام يتخيل بروك في قصيدة أخرى، موت حبيبته والطقوس الرومانية التي ستقيمها أسرتها عند دفنها2. ولا بد لنا أن ننبه هنا أن هذا الموقف يخلو كليًّا من رغبة الإيذاء التي تدفع أحيانًا بإنسان مهجور إلى أن يتخيل موت هاجرة تشفيًّا أو إغاظة. فبروك يصف موت الفتاة لمجرد اللذة التي يجدها في وصف الحادث بصفته الإنسانية. والموت عنده حدث اعتيادي لا يستدعي الجنون. وهذا أمر يجعل استعماله للانتقام والتشفي ضربًا من العبث المستحيل. وفي قصيدة ثالثة يتخيل بروك نفسه وقد مات، ولا يصحب تخيله هذا أي حزن، وإنما مقصد القصيدة أن تصف رعشة مفاجئة تسري بين الزملاء الموتى ويدرك الشاعر منها أن حبيبته قد ماتت ووافت عالم العدم3.
ألا يبدو من هذا كله أن الموت عند بروك يتجرد من فكرته المخيفة المحزنة تجردًا كاملًا فلا تبقى منه إلا الحقيقة العارية؟ وهذا يجعل موقفه
__________
1 قصيدة dead men's men's love لبرويرت بروك.
2 قصيدة بروك ambarvalia ومطلعها:
Swings the way still by hollow and hill
3 قصيدة "sonnet" ومطلعها:
oh!. Death will find me, long before I tire.

الصفحة 309