كتاب قضايا الشعر المعاصر

خيالات من هذا النوع؟ غير أن النتيجة التي انتهت إليها "ليسيوس" هي الموضوع الهام بالنسبة لكيتس. ذلك أن "ليسيوس" قد مات حالًا عندما فقد حبيبته المسحورة، وسدًى حاول "أبولونيوس" إنقاذه.
وقد كان هذا سر كيتس أيضًا.
هذه المبالغة في بذل القوى النفسية لا بد أن تؤدي بالشاعر إلى أن "يستنفذ" قواه الروحية والشعورية في بضع سنين، ثم يقف لاهثًا فجأة ويضطر إلى أن يموت. فالانفعالية تشبه الاحتراق؛ لأنها تجعل الشاعر ضعيفًا إزاء مظاهر الحياة المحيطة به، فكل جمال يعصف بقلبه، وكل اتساق يملأ مشاعره بالحماسة الطافحة، وهذه حالة تصبح فيها قيمة الأشياء المحيطة بالشاعر أغلى من حياته نفسها.
وهكذا كان الانفعال أول طريق إلى الموت في حياة هؤلاء الشعراء؛ لأن رصيد الإنسان من الطاقة العاطفية محدود بحيث إذا بالغ في صرفه انتهى إلى "إفلاس" انفعالي مبكر. وهذا الإفلاس هو الباب المؤدي إلى الموت. ولنتخيل كيتس أو الشابي من دون انفعال. إنهما ولا شك يموتان ...
ولعل هذه الحقيقة تبيح لنا أن نعتقد أن هذا الولع الذي صبه شعراؤنا على الموت كان يتضمن إدراكًا باطنًا سابقًا للخاتمة المبكرة، تسوقهم إليه ملاحظتهم الخفية لانعدام التوازن بين المبذول من طاقتهم العاطفية والرصيد الكامل منها في كل حياة إنسانية. وكأن الواحد منهم كان يشعر بأنه يقتل نفسه شيئًا فشيئًا حينما يسرف في طاقة الانفعال.
ولا شك في أن هذا يلوح حماقة للمتوسطين من الناس وهم أغلبية البشر. غير أن منطق العبقرية إجمالًا ينسجم مع ما سماه "نيتشه" بالرغبة في الفناء للتفوق على الذات. وهي رغبة غير واعية لا يد للشاعر الانفعالي فيها، فهو بطبعه مسرف، وإن أدى الإسراف إلى موته، لا بل إنه

الصفحة 314