كتاب قضايا الشعر المعاصر

وما دامت الحاجة إلى النقد الأدبي قد بدأت تبرز وتتضخم في آدابنا فليس من شك في أنه على وشك نمو سريع، فمتى اقتضت الظروف أن يوجد لون معين من الأدب كان لا بد له أن يوجد، وأمامنا شواهد تاريخية كثيرة على هذا القانون. على أن هذا الفرع من فروع التأليف وهو يسير على غير هدى سيضيع جهودًا كثيرة حتى يهتدي إلى الأسس التي ستواجهه وتحكمه، وحتى تنشأ فيه النظريات والمذاهب والمدارس التي تستند إلى أدبنا المحلي دون ارتكاز إلى نظريات النقد الأوروبية.
والمزالق التي يجابهها النقد العربي اليوم أكثر مما يمكن معه الاطمئنان، فالناقد يدخل هذا الميدان المضلل دون نظريات تقوده ولا مذاهب توجهه ولا أسس يعتمد عليها في أحكامه، وإنما يجد مكان ذلك إحساسًا داخليًّا مبهمًا يهتف به أنه، وهو يسلك مسلك الناقد، إنما يضع بنفسه خططًا وقوانين وأسسًا، ذلك لأنه لا يملك حتى نماذج رديئة يقيس عليها. ومن هنا ينشأ في نفسه التهيب ويحس بضرورة الحذر الشديد والاقتصاد في الأحكام وإلا جرفه تيار الابتذال. وهذا فيما نظن موقف كل ناقد مثقف يعرف هدفه معرفة جيدة، ويهمه ألا يضل الطريق. فالنقد في هذه المرحلة من مراحل نمونا الثقافي موضوع دقيق خطير، وسيكشف المستقبل القريب الغطاء عن كثير مما يمر بنا اليوم باسم النقد فيلوح لنا إذ ذلك مظهرًا من مظاهر صبانا الثقافي لا أكثر.
وأحد المزالق الشائعة التي يكثر سقوط الناقد العربي المعاصر فيها، مزلق يغلب على ظننا أنه صدى للأبحاث السايكولوجية الحديثة التي تصب اهتمامًا ضخمًا على الفنان نفسه حين تحاول تقديم إنتاجه الفني. وقد بات شائعًا أن يكتب الكاتب مقالًا في نقد قصيدة أو ديوان شعر فينتقل دون وعي إلى الحديث عن حياة الشاعر وظروفه الاجتماعية والبيئية. وليس من الضروري، لكي يتم السقوط في هذا المزلق، أن يتحدث الناقد عن مولد الشاعر وطفولته، وإنما يكفي أن يقول إن هذه القصيدة تدل على أن الشاعر جبلي مثلًا،

الصفحة 320