كتاب قضايا الشعر المعاصر

التعابير والأخطاء. أفلا ينطوي هذا الموقف من النقاد على تشجيع واضح للجيل كله على الاستهانة باللغة العربية والاستخفاف بقواعدها الرصينة؟ وإلى أي مدى ينبغي أن يعد الناقد نفسه مسئولًا عن لغة الشعر المعاصر؟
والواقع أن ازدراء الناقد للجانب اللغوي من النقد ليس إلا صورة من ازدراء الشاعر نفسه للغة وقواعدها، فإن مصدر هذا الازدراء منهما واحد، وفي وسعنا أن نعود بالظاهرة إلى منابعها الحقة في حياتنا المعاصرة نفسها. وليست اللغة بمختلف مظاهرها، إلا مرآة تنعكس فيها حياة الأمة التي تتكلمها.
إن الجذور الرئيسية لهذه الظاهرة تختبئ في شبه عقيدة موهومة وقع فيها الجيل العربي المعاصر مؤداها أن الاهتمام باللغة والحرص على قواعدها المختلفة، يدلان على جمود فكري في الأديب وقد يشيران إلى نقص صريح في ثقافته الحديثة. وقد تبلورت هذه العقيدة الزائفة في أنفس الشعراء والكتاب حتى أصبحت تعني لديهم أن التجديد يتجلى فعلًا في ازدراء القواعد النحوية وإهمال المعجم والمقاييس اللغوية التي تعترف بها الأمة كلها. ولعل الناقد العربي ملزم بأن يعترف اليوم بأنه بات يشعر بكثير من الحرج والاستحياء إذا ما هم بتنبيه شاعر إلى كلمة مغلوط فيها أو قاعدة مخروقة في شعره. ليس ذلك لأن الناقد يقر الخطأ، وإنما لأنه يخشى أن يقال عنه إنه ناقد رجعي لم يتصل بالتيارات الحديثة في النقد، ولم يسمع بعد بأن المضمون أهم من الشكل أو إنه العنصر الأوحد في القصيدة التي ينقدها.
إن القول بأهمية المضمون وسبقه لكل قيمة غيره في القصيدة قول شائع اليوم. وهناك زمرة من النقاد تشهره سلاحًا بتارًا في وجه كل ناقد يحرص على سلامة اللغة. حتى لقد قامت مدارس بعينها تدعو إلى هدم القواعد باسم

الصفحة 326